كُتب منذ أكثر من سنتين بشأن التوجهات الشخصية للسيد أردوغان، الذي يطمع في زيادة سلطاته الفردية بنظرة ضيقة، ظاهرها طيب وباطنها سيئ، وذلك بهدف تحويل نظام الحكم في تركيا من النظام البرلماني (الأقرب إلى نموذج الحكم في الإسلام)، إلى النظام الرئاسي الذي يمنح رئيس الدولة سلطات واسعة، منفرداً (مجافياً لنموذج الحكم في الإسلام).
قد يكون من الإنصاف أن يُذكر لأردوغان أنه أحدث في تركيا نقلة نوعية منذ 14 عاماً وحتى اليوم. جرت خلالها تنمية تركيا في جميع المستويات، كما انه رفع المستوى المعيشي للفرد، وأنجز تقوية الاقتصاد التركي بصورة غير مسبوقة، كما قُض.ي على العديد من مظاهر الفساد السياسي والإداري والمالي الذي كان سابقا على حقبة أردوغان، وقد تمكّن حزب العدالة والتنمية من تحقيق أغلبية متزايدة، مما يشير إلى اتساع دائرة التأييد الشعبي لحزبه.
ومع ذلك الإنصاف، لا بد من وضع الحقائق حتى لا تسير تركيا إلى منزلق خطر؛ بسبب غاية وهوى شخصي للسيد أردوغان، فالحقائق تقول إن حزب العدالة والتنمية هو المكينة القوية وراء تفوق الحزب على الأحزاب الأخرى، ولا يقف الأمر على شخص السيد أردوغان رغم تميز قيادته للحزب، بل إن الفضل يعود إلى الزعيم المؤسس لحزب السلامة السيد نجم الدين أربكان، رحمة الله عليه. وقد قطف ثمار ذلك النضال الطويل السيد أردوغان وحزبه.
إن الغرور الذي يبعث على القلق من حدوث الطغيان هنا، هو ما يسيطر على السيد أردوغان الذي يرغب في أن يصبح حاكماً أوحد متفرداً بعقلية الاعتداد بالنفس من دون الآخرين، وهو سبب إصراره على تحول النظام في تركيا من النظام البرلماني القائم على تقاسم السلطة والرقابة المتبادلة، إلى النظام الرئاسي، الذي يمنح الرئيس سلطات واسعة بلا معقب أو رقابة، مروجا لمن حوله أن هذا هو النظام الأقرب إلى نظام الخلافة الإسلامي، وهذا ترويج يجافي الحقيقة ونظام الحكم في الإسلام.
وللأسف، فإن السيد أردوغان يسير إلى منزلق خاطئ، ربما يجعل منه حاكما دكتاتوريا ـــ باسم الإسلام ـــ الذي هو بريء من ذلك، سعيا الى مجد شخصي، يحقق لنفسه من خلاله نموذج «السلطان العثماني» المستبد، وهو تفكير ضيق، يرهن مستقبل تركيا بطموح وهوى شخصه، وهو سبب فقدانه الأغلبية في انتخابات السبت الماضي، مع قدرته على تحقيق أغلبية ائتلافية.
إن إشكالية الحكم والسلطة في ذهن الحكام العرب والمسلمين تظل تدور في نطاق التفكير والحرص على السلطة المطلقة، وهي بكل أسف تمتد حتى للحاكم الذي يصل إلى السلطة ديموقراطياً، ومن الأحزاب التي تتغنى بالحريات وتداول السلطة، لكنها ما إن تصل حتى تسعى إلى التفرد بالسلطة واتباع سياسة الإقصاء للآخرين، وهذا التوجه يهيمن على القيادات السياسية والإدارية بصورة جلية على جميع المستويات، وهو سر تخلفنا المستمر، واستمرار سيرنا نحو الحكم العضوض الذي تنبّأ رسولنا الأعظم (صلى الله عليه وسلم) بعودته إلينا، وهو ما يسير إليه السيد أردوغان ونعيش في ظله منذ زمن.