دائرة السياسة ليست أسيرة كما يريد أن يراها البعض ملكا له، كالكرة بملعب فارغ من المنافسين حسب المزاج الشخصي، ولا يجب أن نراها بمنظورنا الفكري الذي نؤمن به مع وجود من يختلف معنا في التوجهات والآراء.
وما دام أطلق على العمل السياسي «فن الممكن»، فهذا يعني أن اللاعب السياسي لا يمكن أن يحصل على كل ما يريد حسب مزاجه وتوجهاته السياسية الإقصائية، لطالما هناك منافسون أيضا لديهم مطالب وتوجهات يرونها حسب منظورهم الشخصي هي الأفضل.
ويفترض أن العمل السياسي لا يخضع لإقصائية الخصوم وينتهج الفوضى بقدر ما هو قبول الحوار إلى أبعد مدى، ويكمن في الاحترام وتبادل آراء ويجب أن يوجه لمصلحة عامة، إلا أن حقيقة المشهد السياسي لدينا بدأت تدخل منحنى خطيرا جدا، وأصبحت الفوضى هي الراعي الرسمي لساحاتنا السياسية، والسؤال: لماذا وصلنا إلى هذا الانحدار بالعمل السياسي؟
أعتقد أن الانحدار يكمن في عدة أوجه، أبرزها دخول أشخاص ليس لهم علاقة ولا صلة بالساحة السياسية، وهذا الأمر بات واضحا للكل، ومنهم من أصبح مجرد أدوات لحالة الصراع والتجاذب السياسي، مهمتهم نشر الأكاذيب وإطلاق الشائعات بهدف تشويه سمعت الناس من دون أدنى دليل، فقط لإرضاء معازيبهم للحصول على المكافأة، وهذا حتما يؤثر على توجه الرأي العام عندما يضلل المجتمع لإبعاده عن قضايا فساد قاسية.
وللأسف هذا ما هو واضح في وسائل التواصل الاجتماعي في «تويتر» التي باتت مشبعة بحملات تشويه قذرة غير مسبوقة، والأمر الآخر والأهم أن هناك كثيرا من السياسيين يلعبون دورا غير منطقي وخارج قناعاتهم متجردين من السياسة الحقيقية، وهذا فقط من اجل المحافظة على كراسيهم، إلى درجة أن بعضهم عندما تسأله عن بعض مواقفه، يرد بأن موقفه ليس لقناعة شخصية إنما لإرضاء رغبات القاعدة الانتخابية في الدائرة.
فمن هذه المشاهد الواقعية التي نراها كل يوم، لابد أن نعترف بأن تضارب المصالح الذي تسببت فيه الحكومات المتعاقبة من خلال سياسة الترضيات المعروفة وإقصاء الكفاءات، أدت بنا إلى القفز من المركب السياسي الإصلاحي إلى مركب آخر معظم الناس ترى بداخله أهمية المصالح الشخصية، مادام المجتمع غير قادر على تحقيق غاية الإصلاح الشامل والذي يحمل مبدأ العدل والمساواة، والذي يفترض أن يشترك به فرعان أساسيان هما الحكومة والشعب كونهما يمثلان بعضهما حتى يصلح الحال.
حتى يتحقق التجانس بين الحكومة والشعب للانطلاق نحو مضمار الإصلاح، على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها تجاه خدمات المجتمع والأهم أن تسعى الحكومة لعودة الثقة بها من خلال إنجازاتها التي تصب في صالح المجتمع، وعلى الشعب أن ينظر بأفق واسع حول نظامنا الديموقراطي واستغلاله لتطوير البلد من خلال ممارسة ديموقراطية إيجابية بعيدة عن أي تعصبات قبلية وطائفية وفئوية ونختار صاحب الضمير ممثلا للأمة والذي يعمل من اجل وطن وليس من أجل مصالحه.
هنا قد نقطف ثمار توجهاتنا السليمة بعيدا عن ممارسة السياسة المضروبة بالتبعية والتعصب النتن.