كلما تأزمت البلاد زاد الحديث عن مقارنة الحرية بالأمن، وزاد معها اتهام الحرية بأنها هي وليس غيرها المتسببة في ضعف الأمن.
الحكاية مكررة. السلطة تسعى لمنع الآخرين من ممارسة حرياتهم العادية، السلمية، تحت مبررات الإضرار بالأمن الوطني، ثم ينتقل المنع إلى الإضرار بالعلاقات مع الدول، أو الإضرار بالقيم العامة، أو الإضرار بالاقتصاد وبالعملة المحلية، وتذهب بعيداً في التفسير، والتعسف غير المبرر. وكلما زادت صلاحيات السلطة توسعت في التعدي على الحريات.
فأكثر الدول استقراراً هي أكثر الدول حرية.
بل إنه ومن واقع الدراسات الموثقة فإن أكثر الدول التي تعاني من حالة أمنية ضعيفة ومترهلة هي تلك الدول التي تطبق أنظمة أمنية صارمة، وبالذات ضد الذين يعبرون عن آرائهم بطريقة سلمية.
الحرية والأمن قيمتان يجب أصلاً ألا تتم مقارنتهما ببعضهما، أو أن يكونا موضوعاً للمقارنة، فوضعهما في كفي مقارنة يوحي بأن تدهور الأمن هو ناتج عن تزايد الحرية، بينما تفيد كل الاستقراءات والدراسات العلمية بأنه كلما زاد القمع وكبح الحريات فإن النتيجة المحتملة هي عدم استقرار وتهديد للأمن.
المعادلة إذاً مقلوبة على رأسها، ومطلوب تعديلها وجعلها تسير على قدميها بالوجهة الصحيحة، تأسيساً على قاعدة أن الحرية ضمن قواعدها العامة هي الضامن للأمن وليس العكس.
وتصبح المسألة أكثر قسوة وتدميراً للمجتمع عندما يتوافق الرأي السياسي مع الرأي الأمني في المعالجة الأمنية للحريات، وبالتالي تقييدها وملاحقتها، لأغراض سياسية.
لا علاقة للحريات بالأمن وتراجعه، فإن تراجع الأمن فابحثوا عن سبب آخر لتدهوره، والأسباب هنا كثيرة، ولن يكون منها الحرية.