مواد مشروع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات ليست بدعة كويتية بل هي مستوردة من العالم المتقدم وفرضها في اتفاقية دولية هي اتفاقية بودابست، وهو قانون مستحق يسد فراغا موجودا بالفعل في منظومة التشريعات الكويتية، وخصوصا فيما يتعلق بحماية المعلومات الحكومية او البنكية او الشركات بل حتى الأشخاص والترويج للإرهاب وجمع الأموال وغسيلها وسرقتها من خلال الشبكة العنكبوتية.. وأتاحت اتفاقية بودابست للدول التي تصدر هذا القانون وتوقع الاتفاقية مخاطبة الشركات صاحبة مواقع التواصل الاجتماعي لمعرفة معلومات وهوية المستخدم ووقف حسابه في حال ثبوت جرائم المعلوماتية المنصوص عليها في اتفاقية بودابست.
بيد ان البعض في الحكومة وجدوا على ما يبدو ضالتهم في هذا القانون وتعاون معهم الكثيرون من السادة النواب، وضالتهم هي وقف الحسابات ومعرفة هوية أصحاب الحسابات المجهولة الهوية في مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا في تويتر وفيسبوك التي سببت لهم الصداع المستمر.. فقاموا باستعجال القانون حتى انهم صوتوا على مشروع القانون على هيئة جداول وليس كمواد مكتوبة (!) من باب الاستعجال وبمخالفة اللائحة التي توجب التصويت على المشروع مكتوب كمواد.. «ما علينا»، المهم انهم ادخلوا على المشروع أمورا لم ينزل الله بها من سلطان وهي حماية الأشخاص وسمعتهم وشرفهم وهذه الأمور تحفظها بشكل موسع فيما هو موجود في منظومة التشريعات الكويتية.. والاخوة يعتقدون ان إدخال هذه القاعدة في القانون ستلزم شركات التواصل الاجتماعي بها اي كلما رأت الحكومة او السادة النواب ان هناك من يزعجهم في تويتر «مثلا» سيخاطبون الشركة لوقف الحساب أو الحصول على هوية ومعلومات المستخدم، ولم يدركوا أن هذه الشركات لديها السرية مصونة تحت طائلة الرقابة القضائية الأميركية وتعويضاتها الشنيعة، وحماية الأشخاص سواء كانوا وزراء أو نواب من النقد المباح او غير المباح لا تتيح لهم إلزام شركة تويتر او فيسبوك بالخضوع للقانون الكويتي ويستجيبوا لكل ما تطلبه منهم الحكومة الكويتية، بل كل ما سيطلب منهم سيخضع لمعاييرهم وبعد بحث موسع فإن كان الأمر يتعلق بالإرهاب أو غسيل الأموال أو السطو على المعلومات او ما تضمنته اتفاقية بودابست وبعد ان يتأكدوا من صحة المعلومات سيستجيبون.
أما ان تأتي الحكومة وتقول هذا الحساب شتم فلانا او شوه سمعة فلان او أطلق أخبارا مسيئة لفلان فإن الشركة ستقول للحكومة الكويتية «اكسكيوزمي» هذا خارج نطاق تغطية الاتفاقية لن نستطيع الاستجابة لطلبكم.
وأخشى ما أخشاه ان تكون الكويت عندها مادة للتندر في الصحافة العالمية عندما تتقدم بهكذا طلبات لشركات عالمية لم تخضع لحكومات الدول العظمى فكيف ستخضع للحكومة الكويتية؟ علما ان السيد وزير العدل أعلنها صريحة في تصريحه لـ «كونا» في 3 الجاري من ان «..أهمية اتفاقية بودابست في تمكينها الكويت من كشف اي اسم نطاق دومين شركة من الشركات عند إقرارها لقانون تقنية المعلومات..»؟!
والحقيقة انه وبالرغم من أهمية مشروع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات فإنه لم يكن سبب الاستعجال الحكومي النيابي للأسف الشديد، وإنما كان سبب الاستعجال هو كشف هوية المستخدمين في مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا تويتر.. فأفسدوا القانون بإقحام حماية الأشخاص وشرفهم وغلظوا عقوبات الرأي ولن يتحقق مبتغاهم بما يعني أن كل هذه الهرجلة في الفاضي.. فهل من مدكر..؟
آخر مقالات الكاتب:
- قوافل اللاجئين صنيعة الغرب وعليه حلها
- روسيا ستنجز ما عجزت عنه أميركا..
- غداً ذكرى عزيزة للكويت وأهلها..
- بعد التجميد.. الحكومة تصفي الأوفست؟!
- روسيا.. الذهاب إليها متأخراً خير أيضاً
- «حماس» شرطي إسرائيل في غزة
- العبادي بدعم الشعب سيسحق الفساد
- سلمت عين الأمن الساهرة
- فزعة العراقيين على الفساد والفاسدين..
- إجرام الطالح علي عبدالله صالح