يبدو أن كلمة “فيفا” أقرب إلى اختصار جملة “فساد يجر فسادا إلى الأبد”، خصوصا بعد انهيار إمبراطورية رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جوزيف بلاتر، وما قد يلحق ذلك من فتح ملفات الفساد والرشوة بأثر رجعي في هذه المؤسسة العالمية الجبارة.
إن عالم الفساد ودهاليزه يبقى في دوائر الغموض، وقد تطوى أوراقه ورموزه دون الوصول إلى الحقيقة الكاملة مهما كانت الجهود والتحقيقات، والسبب في ذلك لا يعود فقط إلى أخطبوط الفساد وماكينته المالية وغطائه القانوني فقط، بل إلى الأبعاد السياسية والمصالح المتضاربة سواءً بين أصحاب النفوذ أو الحكومات والدول المتصارعة في عالم العلاقات الدولية المعقد.
إمبراطورية كرة القدم الحديثة قد تكون أكثر ثراءً من معظم دول العالم وأكثر نفوذاً، فأسعار اللاعبين وصفقاتهم التجارية وملاعب كرة القدم والرعايات والإعلانات وأجور النقل، وأخيراً مسابقات المونديال، عبارة عن مغارة علي بابا المليئة بالمليارات والمجوهرات، وبحراسة جهابذة من الحرامية واللصوص الذين قد لا يختلفون على نهب هذه الأصول، إنما على طريقة توزيعها أو استغلالها كأدوات في سياسات الدول وخدمة مصالحها، وإلا كيف نفسّر أن تزّج الولايات المتحدة أنفها عبر مكتب التحقيقات الفدرالية (FBI) على الرغم من أن كرة القدم ليست باللعبة الشعبية الأولى في أميركا؟ ولماذا تكتلت أوروبا لوحدها وآسيا انقسمت وإفريقيا صامدة كفريق، والتصويت في كل تكتل يعكس التوجهات السياسية لحكومات الدول المعنية في كل تكتل؟
وأين كانت الرقابة والشفافية على مدى عشرين سنة من عهد بلاتر وربعه الذين جمعوا ثروة مقدارها 150 مليون دولار تحوم حولها الشبهات، وخصوصا في قرار اختيار جنوب إفريقيا وروسيا وقطر لاستضافة كأس العالم؟ ولماذا الشبهات فقط حول هذه الدول المستضيفة على الرغم من النجاح الباهر لكأس العالم في جنوب إفريقيا عام 2010؟ لماذا يجب أن تحتكر أوروبا استضافة كأس العالم؟
فروسيا هزمت بريطانيا وانتزعت منها مونديال 2018، وقطر هزمت أستراليا في إقامة مونديال 2022، فلماذا فتحت أبواب جهنم على الفيفا الآن؟ لعل السبب بسيط وواضح في بعده السياسي، أوروبا تعيش حرباً مع روسيا بسبب أزمة أوكرانيا ولم تنجح العقوبات الاقتصادية ضد موسكو بل أضرت ألمانيا وأخواتها، والولايات المتحدة في المقابل بدأت تعلن خلافاتها مع دول الخليج، وأصبحت قلقة من الدور القطري إقليمياً ودولياً ولا تريد بالنتيجة إلا إعادة تحجيم المنظومة الخليجية والضغط على دولها.
طبعاً لا نرى ساحة بلاتر واتحاده، فهم كغيرهم من المؤسسات الحكومية والخاصة توجههم المصالح والنفوذ ولا تخلو من أنواع الفساد خصوصا المالي، ولكن الحرب السياسية على “الفيفا” اليوم تظل معركة جديدة في ساحة الصراع الدولي، وتنافس الأقطاب وحلفائهم على الهيمنة العالمية، ولكن هذه المرة من بوابة الكرة الساحرة!