لم تبق كلمة في التحذير من الطائفية لم تُقل، ولم يبق في سجل الحديث عن الطائفية موضع كلمة يمكن أن تُكتب فيه، ولم يبق إنسان لم يَتهم أو يُتهم بالطائفية.. فإذا كان الكل يشجب الطائفية ويستنكرها، فأين ذهب الطائفيون؟!
المعادلة المخيفة في لعبة الطائفية أن كل اللاعبين فيها وكل جماهيرها المتفرجين والمشجعين يعرفون قوانينها ومآلاتها وخطورتها، إلا أنهم يصرون على الاستمرار في اللعب بالرغم من معرفتهم المسبقة بأنها لعبة ليست كباقي الألعاب!
نتائج المعارك الطائفية محسومة سلفاً، فلا منتصر فيها، الجميع خاسر، وعلى رأسهم الوطن وقيم المواطنة..
كيف يمكن العلاج من المرض وقد تمكن من جسم المريض.. ولكنه يرفض الاعتراف به، بل ويرمي الآخرين به؟!
مسألة الطائفية مسألة سياسية في المقام الأول، ثم هي مسؤولية اجتماعية، وفي المرتبة الأخيرة يأتي القانون، فالقانون وحده لا يعالج القضية.
الأسوأ من الطائفية هو التوصيف الخاطئ لها، لأن ذلك يعني استمرار الدوران في حلقتها المفرغة، لتعيد إنتاج نفسها في كل مرة!
الطائفي يقتات على طائفي آخر في الجهة المقابلة، ويرتبط مصيره به، فيغذي أحدهما الآخر، لذلك إذا لم يجد الطائفي مقابلاً له في الجهة الأخرى، فإنه يجتهد في إيجاده وتغذيته، فإذا لم يستطع فإنه يصنعه ولو في أذهان أبناء طائفته.
تتغذى الطائفية على مخاوف الناس.. الخوف من التهميش.. الإقصاء.. الاستئصال. والطائفي يلعب على هذه المخاوف، ويعززها في أبناء طائفته ليصعد على أكتافهم باعتباره حامي حمى الطائفة، والذائد عن حياضها.. ومن ورائهم جميعاً تأتي السلطة لتحمي بعضهم من بعض!
وجود الطائفة أمر طبيعي، ولكن تنامي النزعة الطائفية قد يكون تعبيراً عن خلل ما في السلطات. فكما أن الطائفي يتغذى على طائفي آخر في الجهة الأخرى، فإن السلطات تتغذى عليهما جميعاً من خلال اللعب على التناقضات، والتنقل بين المعسكرات، وتغذية الاصطفافات.
عندما يصبح الاتهام بالطائفية مجرد أداة في الصراع المجتمعي، ويُستعمل هذا الاتهام لتعزيز الشعور بالمظلومية، ليتحول إلى ما يشبه تهمة «معاداة السامية»، هنا تفقد هذه التهمة معناها الحقيقي!
والواقع السياسي ينتج الطائفية ويغذيها، وعندما يتم التعامل مع المواطنين من تحت الطاولة – وأحياناً من فوقها – بالنظر إلى طائفتهم، فمن الطبيعي أن يتنامى الشعور الطائفي!
لمواجهة الطائفية لا بد من عزل «ملوك الطوائف» عن مجتمع الطائفة، وقطع الطريق عليهم، وخلق واقع يجعل مجتمع الطائفة مستغن الكائنات الطائفية التي تتحدث باسمه، وتتراقص على مخاوفه، وتتكسب من وراء قضاياه!
أخيراً.. إذا أردت ألا تستفيد من هذا المقال، فما عليك سوى الاعتقاد بأنه موجّه للطائفة الأخرى وليس لطائفتك!