بعد أسبوع واحد من استهداف مسجد الإمام علي (ع) في القديح يتعرض مسجد الإمام الحسين (ع) في الدمام وبالطريقة نفسها لهجوم إرهابي جديد مع استمرار تنظيم “داعش” بالتهديد بتفجير المساجد ومناطق تجمعات الشيعة في المملكة العربية السعودية، وربما في دول خليجية أخرى.
“داعش” يمارس الإرهاب والقتل والتفجير وحزّ الرؤوس بحق السنّة والأكراد والمسيحيين والأزيديين وغيرهم من العرقيات والانتماءات الدينية، باستثناء الصهاينة طبعاً، ورغم ذلك فإن استهداف الشيعة بالذات تتبعه بيانات رسمية ملغومة بالتحريض الطائفي والهجوم العقائدي والتكفير، وفي هذا الموقف يتفق الدواعش فكرياً وسياسياً مع الكثير من مشايخ الدين والشخصيات السياسية، وتنسجم مع ما تحتويه العديد من الكتب التي توزع بالمجان، وما تبثه بعض الفضائيات، وما يتم تدريسه في المدارس والجامعات، وما يعلن من فتاوى صريحة ومباشرة أمام مرأى ومسمع بعض الجهات والسلطات الحكومية أو بمباركتها في عدد من الدول العربية ومنها دول الخليج!
مع الأسف الشديد فإن الغالبية العظمى من هذه المرجعيات سواء المتمثلة برموز أشخاصها أو أدبياتها كانت ولا تزال ترضع من الثدي الحكومي بسخاء، ولم تحقق مكانتهم الدينية ومناهجهم الرسمية الرفعة والانتشار الشعبي والإعلامي فحسب، بل أصبحت مصدراً مهماً للثراء والغنى الفاحش أحياناً حتى تحصّنت مواقعهم، ولم تعد حتى الحكومات تتجرأ على نقدهم، ناهيك عن محاسبتهم في القصور الشديد عن أداء واجبهم في مواجهة التطرف والإرهاب، وليس أبلغ شاهد على ذلك إلا ذلك الزجر المباشر الذي وجهه الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز لجمع من رجال الدين عندما خاطبهم بغضب قائلاً: اتركوا عنكم الكسل والصمت!!
المسؤولية الجسيمة التي يجب على مشايخ الدين تحملها وخصوصاً المحسوبين على الحكومات، وما أكثرهم، هي إعادة تأهيل عقول المغرر بهم، ومن استحوذ عليهم فكر الإرهاب والتطرف وتكفير الآخرين، بدلاً من حشر أنوفهم في معتقدات الآخرين ليروا كم الفارق كبيرا في مستوى الإيمان والشجاعة والشهامة، فهل يملك أرباب الفكر الداعشي والمطبلون له الشجاعة بأن يفسروا الفرق بين من يتلصص بثياب الحريم ليقتل نفسه ومن يكره، وبين ذاك البطل الذي يمسك بتلابيب ذلك الإرهابي المفخخ ويجره بعيداً رغم علمه بأنه سيتحول إلى أشلاء في حين ينقذ حياة الآخرين؟
إن الدواعش ومن احتضنهم فكرياً وسياسياً ومالياً سوف يخسرون حربهم العقائدية كما يخسرون عسكرياً وميدانياً، فمن يقاتل هؤلاء الإرهابيين اليوم ليس التحالف الدولي والحكومات ذات الأجندات السياسية، وبغرض استخدامهم ورقة للتفاوض أو أداة للضغط الدبلوماسي أو وسيلة للتهديد، فيحاربونهم يوماً ويمدونهم بالسلاح في اليوم التالي، إنما يحاربهم في جبهة واحدة تمثل السنّة والشيعة وأنصار الكرامة الإنسانية التواقون للشهادة ومن ينتظرون الجنة بجنون يدفعهم أن يقدموا حياتهم بأياد عزلاء من السلاح، وبدعاء أن يرزقهم الله القتل على يد شرار خلقه، وهم الذين يملكون القدوة في مسيرة الشهادة والتضحية، وهم من يضحون بأنفسهم من أجل أن ينعم غيرهم بحياة آمنة وتعايش إنساني وحضاري، وهم من يفتخر أهلهم ومحبوهم بقتلهم شهداء، فهل يجرؤ الآباء الروحيون لـ”داعش” وأخواته أن يبينوا هذه الحقائق لأبنائهم الضالين، ومن الأولى في السباق إلى الجنة؟!