بالرغم من قصر تاريخ الدولة النسبي، فإنه من الصعب جداً حصر حالات الفساد، أو السرقات الكبرى، حتى لنصف القرن الماضي، ولكن يمكن الإشارة مثلاً إلى «توزيعات قسائم الليل» في الشامية، وسرقة أراضي الدولة، وتحديدها بالبراميل، الأمر الذي دفع الأمير الكبير عبدالله السالم إلى الإسراع في وضع خط التنظيم العام، الذي أوقف مثل هذه السرقات وغيرها، ولكن هناك سرقات من نوع آخر، لم تولها الحكومة الاهتمام الكافي، أو ربما تعمدت تجاهلها تماماً، إما لعدم رغبتها في «عوار الراس»، أو ربما لوجود من تخشى الإضرار بمصالحهم، أو لوجود مصلحة سياسية ما في التغاضي عن مرتكبيها أو المشاركين فيها، وهي سرقات مليونية تتعلّق بمصالح عشرات آلاف المساهمين الصغار، الذين ضاعت أموالهم ومدخرات حياتهم في رؤوس أموال الكثير من الشركات المساهمة الضخمة، وكان آخرها ما تم تبادله من اتهامات واتهامات مضادة في الجمعية العمومية لإحدى الشركات القابضة، التي كانت يوماً من أفضل شركات الاستثمار، لتنتهي إلى شركة مفلسة، تسببت خسائرها في وقوع المحظور، من ضرب وتكسير، بين كبار ملاكها من أخوة وأبناء عمومة!
أظهرت البيانات المالية المجمّعة لهذه الشركة، ومثلها العشرات، للسنوات الثلاث أو الأربع الماضية، اختفاء الكثير من أصولها بطرق غير واضحة، الأمر الذي هز كيان الشركة، ودفع دائنيها إلى الحجز على ما تبقى من أصولها، والدعوة إلى تصفيتها، وسط اتهامات بسوء الإدارة والتخبط وخيانة الأمانة، والفساد، وتجاوز المطلوبات المتداولة لموجوداتها المتداولة بكثير.
المخيف في مثل هذه الأحوال أن كبار ملاك ومديري مثل هذه الشركات هم غالباً المتحكمون في آلية التصويت في جمعياتها العمومية، وبالتالي إن كانوا السبب، عمداً مثلاً، فإن بإمكانهم التصويت سنة بعد أخرى على صحة البيانات، كما حصل مع عشرات الشركات، على أساس أنهم أصحاب «المال والحلال»، وتجديد الثقة بهم، حدث ويحدث ذلك بوجود مدققي الحسابات وممثل وزارة التجارة، الذي غالباً لا يهش ولا ينش.
وبالتالي، فإن قوة التصويت الترجيحية، التي جعلت من استمرار الإدارات الفاسدة في مناصبها سنة بعد أخرى، مع استمرار اضمحلال موجودات الشركة، أمر يجب الالتفات إليه ومعالجة خلله، مع تحميل ممثلي الوزارة قدراً من المسؤولية، بعد أن تكرر «تبصيمهم». ويمكن بسهولة إيراد أسماء أكثر من عشرين شركة استثمارية وعقارية قام مؤسسوها، أو من أداروها، بنهب رؤوس أموالها وموجوداتها من دون أن تتحرك أي جهة لمحاسبتهم!
والآن، هل سيقوم وزير التجارة الجديد، بفعل شيء لوقف مثل هذا التسيب الذي أضر بمصالح عشرات آلاف المواطنين؟