مرض إنساني واجتماعي مخيف أصيب به عدد كبير من الناس في هذا البلد للأسف الشديد، ألا وهو الغيرة من رؤية الانسان الناجح، وتهيمن على هذا السلوك المشين وتحركه نفسية معلولة بداء الحسد، الذي لا يقف عند حد الشعور بعدم الرضا، أن يكون هذا الشخص ناجحا أو غنيا أو عين بمنصب معين، بل تتعدى ذلك لتبلغ حد تمني زوال ما عليه ذلك الإنسان من نعمة طيبة وفضل من الله وإنجازات محققة، فتكون أمنية الحاسد أن يرى ذلك النجاح فشلا، وذلك الغنى فقرا، بل والحصول على ذلك المنصب ليكون عدما وزوالا، وفصلا من العمل.
إن حالة العجز وفقدان المؤهلات والقدرات لدى بعض الناس أن يبلغوا النجاح، وأن يحققوا ما حققه غيرهم، يولد لديهم انتكاسة عقلية وشرودا ذهنيا وكراهية مؤذية تدفعهم لمعاداة وتقويض كل إنجاز وكل نجاح وكل تفوق وكل إبداع، حتى لا يرى الجمال إلا قبحا ولا الضياء إلا عتمة ولا البهجة إلا نكدا ولا الراحة إلا قلقا، فتتكتم نفسه على ركام رهيب من الأمراض النفسية والسلوكيات العدوانية المخيفة، التي يتسيدها ويتحكم فيها الحسد البغيض، فلا يمنح هذا الإنسان نفسه فرصة للتمتع بنعم الحياة وفرصها، فيتحول ذكاؤه الى خبث، وعلمه الى التخريب، ووقته الى التآمر، وتفكيره الى الإيذاء، كيف لا وقد ران الحسد على عقله فتركه تافها، وعلى قلبه فصار حاقدا، وعلى بصيرته فتحولت سوادا، فكم يرى ويعايش كل منا يوميا أناسا من هؤلاء، أعاذنا الله من رداءة نفوسهم وشرورها.
وبعد، فليس هناك سبب أن يتعجب معه الناس كيف أن المشاريع الناجحة وأصحابها يتعرضون للعراقيل والتثبيط والتشهير والتأمر، بل وحتى الوشاية والاتهامات الباطلة من قبل أولئك الحساد، بصور شتى وبوسائل متعددة، وبتفنن لا يتقنه إلا المجرمون أمثال هؤلاء، والأسوأ من كل ذلك أن يكون من هم في موقع سلطة اتخاذ القرار على المشاريع والمبادرات والمنشآت والمقاولات والتجهيزات وغيرها، هم أولئك الحساد أنفسهم، فتجدهم قد أفردوا عضلاتهم وجهزوا عددهم وعدتهم لبث كل خصال الحسد البغيضة وسمومها، لإيذاء وتكسير كل النجاحات وتحطيم كل المبادرات والمشاريع، وما سلوكهم ذاك بالتخفي وراء سلطة القرار وأدواتها واستخدام صلاحياتها بغير مواضعها، ومن دون حق، إلا تعبيرا عن عجزهم وفشلهم أن يكونوا على مستوى تحقيق الإنجاز والنجاح، فتحولوا من كونهم وسطاء لتيسير فرص النجاح وتسخير السلطة للدعم، وتهيئة بيئة منتجة تطور سبل الحياة وتلبي تنمية المجتمع واحتياجاته إلى معاول هدم وأدوات للتدمير وبئر للفساد والإفساد، وبعد فلا عجب أن يكون المجتمع والدولة في تدهور مستمر، ومن حال إلى أسوأ، وغيرنا يرتقي ويتطور، لكون مجريات الحياة لدينا صارت ضحية للغيرة والحسد المدمرين.