بعد فترة طويلة من الجدب والقحط… بعد فترة غابت فيها الفرحة، وماتت الابتسامة، وطغى الجفاف على الصحارى… أخيراً هطل المطر، فابتلت العروق، واخضرّت الصحارى القاحلة، وعلت في السماء ضحكات كبار السن لتقارع ضحكات الأطفال، وانهمرت التبريكات في طول الكويت وعرضها، بل ومن الأصدقاء والمعارف الخليجيين، عند سماعهم خبر صدور حكم القضاء ببطلان قرار إسقاط جنسيات أسر كاملة، يجمعها اسم واحد هو “البرغش”، لا أسرة واحدة كما يظن البعض.
كان قرار إسقاط جنسيات أبناء وبنات وأطفال ورجال ونساء هذه الأسر بمثابة إبادة جماعية، لكن ببطء، ولا أظن أنني أختلف مع من قال إن الموت أرحم من التعذيب، أحياناً.
واليوم، أقول للسلطة، بعد أن أزف التهاني للجميع: ما أقدمتِ عليه أهان الكويت قبل أي أحد، بعد أن أظهرتِ الكويت بصورة الدولة القمعية، الدولة التي تنهش لحوم أبنائها، والتي تنتقم من المعارضين لسياسة السلطة فيها، بل يتجاوز انتقامها شخص المعارض، ليشمل أهله ونساءه وأطفاله وأشقاءه، كما يحدث بالضبط في الدول العربية السيئة السمعة، التي لطالما وصفنا أعمالها الانتقامية بالخسة والدناءة.
هل تعرفين الآن، أيتها السلطة، بعد أن أقدمتِ على فعلتك هذه، أحجام الجروح في قلوب الضحايا؟ وهل تدركين حجم غضبة الناس؟ وهل بلغك ما قيل ويقال عنك، بين الناس، بعد ما حدث؟ إن كنتِ لا تعلمين، فاعلمي الآن أن إسقاط الجنسيات، لأسباب سياسية، أخطر من الغزو الخارجي، وأكثر خسة وألماً، لأنه جاء من الأهل، أو ما كنا نظنهم الأهل، بينما الغزو يأتي من الأعداء. هذا رأي كثير من الناس، وأنا منهم.
على أية حال، ما مضى قد مضى، ولا أدري متى سيزول من القلوب، إن كان سيزول. وأكرر التبريكات لكل شريف آلمه ما حدث. وأختم بكلمات تتسابق للقفز من صدري إلى الفضاء: أخشى على المستشارين الثلاثة، الذين أصدروا هذا الحكم التاريخي، فأعادوا الابتسامات الهاربة إلى الشفاه… أخشى عليهم من مكائد الأنذال المتنفذين، من خارج السلطة القضائية.