لم يخل تاريخ الكويت، كغيرها من الدول المتخلفة، من الفساد السياسي، والمالي بالذات، حتى عندما كانت أوضاعها المالية متواضعة. فهناك قصة «حمال باشا» أو عقد مناولة اعمال التحميل والتنزيل في ميناء الكويت، وقبل ظهور النفط بعقود. وفضيحة قيام عدد من المتنفذين باستقطاع مساحات كبيرة من أراضي الدولة لحسابهم الخاص. كما يروى أن البعض خاطب الحاكم في فترة ما لعزل المسؤول عن «برجة الماي»، أو خزان المياه العذبة، لفساده! وكيف أن الشيخ قال لهم إنه يعرف عن سرقاته، ولكنه متمسك به لأنه توقف عن السرقة، بعد ان شبع. وأن تعيين شخص «جائع» جديد مكانه، يعني قيام هذا الأخير بالبدء في السرقة!
نقول ذلك لنؤكد ونبين ان قرار إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد في الدولة يعتبر خطوة مهمة إن سمح لها بالتحرك بحرية والعمل، والتجاوب مع تقاريرها، فمن دون هذين العاملين فإن الهيئة وعدمها واحد. نقول ذلك في ظل القرار غير المتوقع الذي صدر بحل جمعية الشفافية، وهي الجمعية التي كان من الممكن أن يكون لها دور في دعم أعمال هيئة الفساد، لو أتيحت لها إدارة غير مسيسة دينيا، وربما لهذا السبب تم حلها، وهو قرار لم نتفق معه بالرغم من كل ما سبق ان كتبناه عن سوء إدارة هذه الجمعية وسوء انتماءات بعض من فيها! وفي ضوء كل ذلك، وآلاف قضايا الفساد التي عرفتها الكويت، فإن مهمة الهيئة لن تكون سهلة، فأعداؤها كثر، وكثيرو القوة والنفوذ.
وفي تصريح صحافي نشر قبل ايام، ذكر رئيس هيئة مكافحة الفساد أنه جار إعداد نظام استرشادي موحد لحماية المال العام لدول مجلس التعاون، وأن ذلك سيساهم في اعتماد أسس التعامل مع الدول الاخرى والمنظمات الدولية.
وبهذه المناسبة، نذكر رئيس الهيئة بأنه مطالب بمراقبة ملاحظات الهيئات الدولية عن مؤشرات الفساد في الكويت، ومعالجة الدرك الأسفل الذي نقبع به، في الوقت الذي يفترض أن نكون ضمن الدول الأقل فسادا، إقليميا على الأقل. وأنه شخصيا مسؤول عن تحسين سمعتنا، وإزالة لطخة العار التي لحقت بنا، والتي تزداد اتساعا كل يوم.
واضح أن قرار إنشاء الهيئة لم يجد ترحيبا كافيا، وقلة من كتبوا عنها، مرحبين، بالرغم من إدارتها الجيدة، وسبب ذلك يعود الى مرارة تجاربنا مع مئات اللجان التي تم تشكيلها لمعالجة هذه الفضيحة المالية أو تلك السرقة المليونية، والتي انتهت جمعيها الى «ما ميش». وعليه نحن بانتظار قيام الهيئة بأول «ضبطياتها»، فهي التي ستكون المحك الذي يمكن من خلاله الحكم على جديتها من عدمه!