لبنان، هذا البلد المهضوم (بالمناسبة، ما زلت أعتب على لغتنا الفصحى التي تعتبر «لبنان» اسماً مذكراً، في حين تطلق على كل الدول الخليجية أسماء أنثوية، أو مؤنثة! شوف الظلم.. مع أن لبنان أنعم من الحرير، وأزهى من ألوان الفراشة. ولا أدري لماذا قررت اللغة العربية الفصحى تركيب شنب وسكسوكة له، وتغنيج دول الخليج التي تُخجل التمساح لفرط خشونتها).. هذا البلد «الكيوت» المهضوم، الذي يتعانق فيه الجبل والبحر، نهاراً، ولا أدري ما الذي يفعلانه ليلاً، والذي لكثرة الأنهار فيه، قرر تشنيعها، من شدة البطر، فأطلق على أحدها اسم «نهر العاصي»، وأطلق على النهر الآخر اسم «نهر الكلب»، والنهر الثالث «نهر الموت»! هذا البلد تلاعبت فيه السياسة، فجرّحت خديه، وأدمت أنامله الرقيقة.
لكن لبنان، كشعبه، «شاري دماغه»، إذ يعيش منذ فترة بلا رئيس، أو بلا رأس. ولأنه بلدٌ راقص، فالرأس لا يهم كثيراً في الرقص اللبناني، بقدر أهمية الخصر والأرجل والأكتاف والأيادي المتشابكة. وهوّر يا بو الهوارة.
وقد يطرب اللبنانيون، ذات سهرة، فيقررون الاستغناء عن الحكومة، ويصدر فرمان شعبي صارم: «قررنا، نحن الشعب، أن يمشي لبنان سلط ملط، أو سلطاً ملطاً، بلا رئيس ولا حكومة. وفي حال اعترض السياسيون سنلغي البرلمان».
وبذمتك وشرفك قل لي ما الذي تغير في لبنان بعد أن عاش من دون رئيس؟ حدثني عن الأمور الأساسية واترك التنظير، حدثني عن تغييرات في الاقتصاد، على سبيل المثال، أو الأمن، أو البنى التحتية، أو ما شابه.. لا شيء تغير، أو كما قالت الفنانة ذكرى، رحمها الله: «على حطة يدك.. ما شيء تغير».
أيها اللبنانيون الكرام، أنتم الأجمل بين العربان، والأرقى والأنقى، فلا تسمحوا للأحزاب بقتل جمالكم. فلّوها واتركوا السياسيين يلطمون لطماً مبيناً، وادبكوا أمام مقرات أحزابهم، فلم يجلب لكم الهم والغم إلا همَّا.. فلّوها وأحيوا لياليكم رقصاً ودبكاً، وأيامكم بناءً وتسامحاً.. ها أنتم جربتم الحياة من دون رئيس، فما المانع أن تجربوها من دون حكومات وأحزاب كالموجودة حالياً.. فلّوها واجعلوا شعاركم «هور يا بو الهوارة».