بعض ردود الأفعال والتصريحات والتغريدات حتى التغطيات الإعلامية لعملية تفجير مسجد الإمام علي (ع) بمنطقة القديح بالمملكة العربية السعودية كانت أخطر وأكثر خباثة من ذلك الفعل الإرهابي نفسه، ومصدر الخطورة هنا أن تلك المرجعيات التي استقبلت تلك الفعلة الإجرامية إما بالشماتة أو إبداء الفرح أو محاولة التضليل الإعلامي والتحريف المتعمد أو حتى اعتبارها انتقاماً لما يحدث لأهل السنّة في العراق، تمثل من يزعمون أنهم مشايخ دين أو رموز سياسية أو محللون استراتيجيون ناهيك عن صحافة السوء والفتنة.
فاجعة القديح الدامية بكل بساطة تمثلت باقتحام انتحاري فجّر نفسه وسط جموع المصلين في صلاة الجمعة، وفي مسجد يحمل اسم الإمام علي (ع) فحوّل أجساد الراكعين إلى أشلاء مضرجة بالدماء، ولم يسلم من ذلك حتى الطفل دون العاشرة من العمر، وتبنتها رسمياً جماعة “داعش” الإرهابية، وشخصت السلطات الرسمية في المملكة هوية المجرم، وألقت القبض على مجموعة من الخلية التي نفذت الجريمة.
إن جريمة من هذا النوع لا تحتمل تلك التبريرات ومحاولات اللفّ والدوران مهما بلغت رائحة الفتنة الطائفية البغيضة المتفشية في أوساط الكويتيين والخليجيين عموماً، وإن كانت هناك حوادث مشابهة ضحيتها الإخوة من أهل السنّة والجماعة من الأبرياء والمدنيين المسالمين، إلا أن قتل مجموعة من المصلين فقط لانتمائهم المذهبي والتشفي بهذا الفعل المشين لا يؤدي إلا إلى مزيد من إراقة الدماء من الطرفين، والمطلبون والمهللون لقتل الشيعة في السعودية أو حتى في العراق وسورية وغيرها يدركون تماماً أن ضحايا “داعش” من قتل وتشريد، والتمثيل بأهل السنّة يفوق أضعافاً مضاعفة من ضحايا الشيعة، ويسري هذا الأمر حتى على المملكة العربية السعودية.
إن ردود الفعل التي تلت جريمة مسجد القديح سواءً كانت متعمدة أو جاهلة بالحقيقة أو نابعة من أمراض نفسية وأحقاد قلبية هي التي تهيئ لـ”داعش” ومثيلاته من الجماعات الإرهابية الحاضنة الثقافية والبيئة الميدانية للاستمرار في مثل هذه الجرائم، ومن ثم تمهّد الطريق لارتكاب المجازر نفسها بحق أهل السنّة أنفسهم، ونموذج الموصل والأنبار والرمادي أبلغ شاهد على ذلك، وخريطة “داعش” المغترّة بهذا الترحيب على قتل المسيحيين ثم الأيزيديين ثم الشيعة ثم السنّة لم تستثن الكويت والجزيرة العربية من هيمنتها المزعومة، وإعلان الدولة الإسلامية في مكة المكرمة ليس سراً في إعلام “داعش” وتصريحات قياداته حتى أبو بكر البغدادي.
قد يكون الإرهاب الذي يستهدف شيعة السعودية اليوم مجرد حقد قائم على التكفير والحقد الطائفي، ولكن الهدف الأبعد هو زعزعة أمن المملكة ككل، لأن تأجيج الطائفية في أرض الحجاز كفيل بارتفاع موجة الفكر الداعشي المتزمت التي يتسلقها كل من يحمل الشر، ويتحين الفرصة لإيجاد موطئ قدم في أرض الجزيرة العربية، وإذا كانت بوصلة “داعش” توجهها حقول النفط الصغيرة في سورية وغرب العراق، فما بالك بأرض السعودية وعموم الخليج التي تحتضن أكبر احتياطيات الطاقة في العالم؟! السؤال هو: هل تستوعب حكوماتنا في المنطقة حجم هذا الخطر المحدق أمام طبول الترحيب من الحواضن الخبيثة التي لا تتردد في إعلان مواقفها ودون حياء وأدنى شعور بالمسؤولية الوطنية أو الإنسانية؟!