إذا كانت الأرقام الإحصائية تعجز في كثير من الأحيان عن أن تثبت العدد المضبوط للنساء البحرينيات اللاتي يتعرضن سنوياً للعنف وسوء المعاملة من جانب أزواجهن، وربما تراوح بين 8 إلى 10 آلاف حالة، فهل سيكون في الأمر غرابة حين تتعرض للعنف والإهانة والتعذيب وسوء المعاملة زوجات بحرينيات من أصول عربية على يد هذه النوعية من الأزواج ذوي النزعة المتوحشة؟
على مدى سنوات، برزت ظاهرة العنف ضد المرأة في المجتمع البحريني كقضية ألقت بظلالها على الصحافة والإعلام، ولاتزال هذه الظاهرة مستمرةً بخفاء ينذر بكارثة. وليس هناك كارثة أشد من تدمير أسر وتضييع أطفال وهدم بيوت من المفترض أن تنعم بالدفء والسلام والمحبة. وفي السنوات الأخيرة، أضيفت إلى مآسي زوجات بحرينيات، المزيد من المآسي والآلام لزوجات بحرينيات لكن من أصول عربية وغير عربية أيضاً.
المرأة/ الزوجة، هي كيان واحد في كل مكان… الأم، الأخت، الإبنة، بيد أن ثمة نزعة شديدة الوجع لدى شريحة من الأزواج (لاسيما المرضى النفسانيين)، وبصراحة فإن قصصهم في المجتمع البحريني كثيرة ومرعبة، وإن كانت ظاهرة حيناً وغير ظاهرة أحياناً أخرى. ولا تستغرب إن وجدت بينهم من يفاخر بالدين وبالعروبة وبالشهامة وبالمروءة، ويعتز بشواربه وعضلاته وشدة بأسه، لكن على من؟ على تلك الزوجة التي أصبحت تعيش بين نارين: نار الغربة، وعذاب الحياة مع ذلك الصنف من الأزواج، الذين لن نستغرب حينما ردّدوا آيات قرآنية كريمة تحث على المودة والرحمة بين الأزواج، ولربما كرّروا أحاديث نبوية شريفة تحث على الرفق بالقوارير، لكن أيسر ما لديهم هو احتقار تلك الإنسانة!
ولعل السؤال المحيّر: هل وجد ذلك الذكر المتوحش، في تلك الزوجة التي جاء بها من مصر أو المغرب أو العراق أو لبنان أو الهند أو الفلبين أو أي بلد كان… هل وجد فيها الطرف الضعيف الذي يصب عليه جام جنونه ووحشيته وسوء تربيته؟ أم أنه يشعر بالبطولة الذكورية في أوجّها فيمارس ساديته عليها؟
تحدثت مع مجموعةٍ من الأخوات الفاضلات اللواتي يعملن في مجال الخدمات الأسرية، ومع بعض المحامين والمحاميات أيضاً، فوقفت على قصص في غاية الفجيعة عن أوضاع زوجات من أصول عربية يتعرّضن للعنف والتعذيب على أيدي أزواجهن وأحياناً لممارسات لا يقبلها العقل من قبيل التشكيك في طهارتهن واتهامهن بالزنا والعياذ بالله، ومع أن مثل هذه الحالات موجودة، أي حالات الزوجات اللواتي يقعن في الرذيلة كما هو مثبت في ملفات قضايا عديدة، غير أن أخريات، يعشن ذات الظروف المؤلمة فقط لأنه ليس لديهن في هذا البلد سند قريب فيدافع عنهن كالأب أو الأخ أو الخال أو العم.
من بين تلك الحالات كنموذج، حالة زوجة بحرينية من أصول مصرية، هي الزوجة الثالثة لمواطن بحريني لا يمنحها وأطفالها حقوقهم في العيش، من مأكل ومشرب وملبس، وعندما ضاق بها الحال، تقدّمت بشكوى ضده في أحد المراكز الاجتماعية قبل التوجّه إلى الشرطة، فما كان منه إلا أن ضاعف جرعات الضرب والشتم والتهديد الذي يصل للقتل أحياناً.
أما قصة الزوجة الأخرى من أصول مغربية، فإن زوجها البحريني المفتول العضلات، يجد فيها امرأة (ع….)، ولهذا فإنه لن يطلقها، بل سينتقم منها ليشفي غليله، ولا بأس من الضرب الشديد المدمي واللكمات والشتائم الجارحة ليل نهار. وماذا عن الزوجة ذات الأصول العراقية؟ حالها لا يختلف عن الكثير من الزوجات البحرينيات أصلاً أو العربيات، فزوجها الورع المتقي يعيّرها حتى على اللقمة التي ما كانت تحلم بالحصول عليها في بلادها، ويذكّرها دائماً بأنها إنسانة حقيرة عاشت في مجتمع فقير، وأنه رفع شأنها، وكما تقول بعض المحاميات فإن على قضاة الشرع في المحاكم الشرعية إعادة النظر في الكثير من الأفكار لديهم كتلك التي تجعلهم يقفون إلى جوار أزواجٍ يظلمون زوجاتهم، ولا يقدّرون الظروف المأساوية التي تعيشها أمثال تلك الزوجات حين يطلبن الطلاق.
هي قضية مخيفة وإن كانت خفية، لكن سينتج عنها أمراض اجتماعية خطرة، وليس أخطر من انهيار نفسيات وشخصيات الأطفال من جراء ما يعيشونه من أذى في كنف والدَيْن، لغة التفاهم بينهما هي العنف والشتم والصدام الدائم. والأسوأ أن يصل الأمر إلى أن ينتهك الزوج بنفسه، عرضه وشرفه!
من يحمي هؤلاء الزوجات البحرينيات أياً كانت أصولهن؟ دعونا نرجع قليلاً إلى الوراء. إلى نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2014، حين أعلنت أمانة المجلس الأعلى للمرأة عن صياغة وثيقة استراتيجية وطنية لمناهضة العنف الأسري تنظم العلاقة بين جميع الأطراف المسئولة عن معالجة ومواجهة ظواهر العنف الأسري بأشكاله المختلفة في مملكة البحرين، بهدف تحديد إطار الوقاية والحماية من العنف في التوجه الاستراتيجي للمؤسسات العاملة في حماية حقوق المرأة. وقرأنا في الصحافة أن «مضمون تلك الوثيقة يمكن اعتباره كإطار مرجعي لدعم وتطوير كافة الخدمات التي تقدم للمرأة البحرينية على صعيد حمايتها من العنف الأسري وارتباط ذلك بأثر استقرار الأسرة في الخطة الوطنية لاستراتيجية نهوض المرأة البحرينية (2013-2022)، وارتباطها بموضوع العنف الأسري في أثر استقرار الأسرة في المحصلة الثانية، التي تهدف إلى حماية المرأة من كافة أشكال العنف من خلال تبني الهدف العام، الخاص بتعزيز مبدأ سيادة القانون المنصف للنساء، وتحسين الآليات المؤسسية في التعامل مع النساء المعنّفات، للوصول إلى مجتمع مبني على أساس يكفل المساواة والعدالة لجميع الأفراد في المجتمع دون تمييز». (انتهى الاقتباس).
أراهن أن بعض الأزواج سيستمرون في هذه الوحشية طالما أنهم يشعرون بالأمان، لأن هناك من «يسند ظهورهم» في المحاكم وغيرها، وسيعودون إلى بيوتهم منفوخي الصدر لينكّلوا بتلك الضعيفة المسكينة حتى أمام أبنائها. وأراهن أن بعض أولئك الأطفال الأبرياء، سيكونون في المستقبل نسخةً متوحّشةً من أب متعجرف لا يعرف الرحمة، ولا يصلح لأن يكون أباً… بل ولا إنساناً في الأصل.