«من طول الغيبات..» تلك الجملة الحبيبة كنت أسمعها دائماً عندما أغيب يومين أو ثلاثة عن زيارته في بيته.. كان يقولها لي عمي جاسم الخرافي، على ذلك النحو المبتور من دون أن يكملها، وعلى وجهه ابتسامة دافئة كمن يعاتبني على غيابي، وإن كان الغياب قصيراً.. كنت أجري إليه بلهفة «الابن» في خضم معاركه السياسية الكبرى، خوفاً عليه من «الأذى» أو «الضيقة»، فأراه جبلا من التفاؤل والصلابة والصدق.. أراه جبلا قويا محبا لوطنه وعلى وجهه الابتسامة الجميلة ذاتها التي طالما رأيناها في الجرائد والإعلام في أحلك الظروف وأمرّها.. ومن دون أن يقولها لي، كنت أرى في عينيه أن ما ظننته شأنا خطيرا لا يعد سوى «رشات رذاذ» أمام مشواره السياسي الحافل: من فينا سينسى أزمة الحكم؟ إذن ما دامت تلك الامور التي أقلقتني لا تعد سوى «رشات رذاذ»، فلماذا كان يعطي مفتعليها تقديرا عظيما فيكون أول الحاضرين في أعراسهم؟! لماذا كان أول الحاضرين عزياتهم؟ أول الزائرين في غرف مستشفياتهم؟ انه جاسم الخرافي الانسان، الذي يحترم خصومه ويقدرهم بأخلاقه.. المخلص لوطنه، الوفي لأصدقائه، والعاشق لأبنائه وأحفاده وأهله جميعا، والحريص على أدق تفاصيلهم.. لن أنسى أبدا «سوالفه» اليومية مع ابني غازي ذي السنة والأشهر الثمانية على سفرة العشاء عندما يحادثه بشغف واهتمام وتركيز كبير، وكأنما عمر غازي في الخمسين.. ولن أنسى، مهما طالت الحياة، اتصاله الاخير معي قبل وفاته بساعات قليلة، وهو يشرح لي ما اشتراه في تركيا، من ملابس اختارها بنفسه لابني ومولودتي الجديدة.. ذلك الحب العظيم الذي زرعته في دمي يا أبوي جاسم لا أجد في نفسي من بعده الا غصة دامية تذبحني على وداعك الأخير.. نم قرير العين يا حكيمنا وحبيب الكويت، وألف رحمة على روحك الطاهرة.. فقد أحببتك أبا وصديقا وحبيبا ورمزا للوطن، ولا املك في مصابنا الجلل الا ان أستذكر جملتك الحبيبة، فأكملها وأقول: «من طول الغيبات يا أبوي جاسم.. نلقاه بالجنة، بإذن الله تعالى».
آخر مقالات الكاتب:
- كيف باعوا «شبابنا بالسجون».. برخص التراب؟!
- عبد الرحمن السميط.. المسلم الحقيقي!
- أبوي.. جاسم الخرافي
- عبيد الوسمي.. الذي احترمته أكثر!
- مَنْ «صَنَعَ».. عبدالحميد دشتي؟!
- لماذا اجتاح «الإلحاد».. الكويت؟!
- مسلم البراك..«يبي يسجني؟!»
- الشيخ سعد العبدالله.. لم يمت!
- الإلحاد.. وناصر القصبي!
- لماذا سنقيم «فرانچايز اكسبو».. في دبي؟!