بالقانون وأجهزة القانون يمكن للسلطة الحاكمة أن تسير أمور الدولة، وأن تضبط الفارق بين الصح والغلط، وما هو صالح وما هو طالح للناس المحكومين، وبحكم القاعدة القانونية، العامة المجردة، أي عدم الانحياز لطرف ضد آخر، وتساوي الجميع أمام النص ومحاكم النص، أي لا تفرقة بين كبير وصغير، أو وجيه ووضيع، بهذا القانون “المشرع” (ولا يهم كيف تمت عملية التشريع) والذي بأجهزة الدعاية والهيمنة السلطوية يزرع ويغرس في روع الناس (روعهم هو الأرض الخصبة السهلة فلا عقل فيها ينكر ولا إرادة تتحدى) بأنه الحقيقة والحق المطلق، ترتفع السلطة فوق الناس، وفوق الطبيعة، وتضفي قداسة على النص القانوني الذي خلقته حسبما تريد، من أجل الجميع وللمصلحة العامة، وبهذه القداسة والتحصين النفسي للنص وعبر تفسيره الأوحد يتم حشر المواطنين بالأقفاص، فلا حريات غير تلك المحددة بالنص، والنص هو القفص، وهو الساحة المسيجة بأسوار عالية تراقبها عيون الأخ الأكبر.
عيون الأخ الأكبر تلاحق الفرد أينما كان، لا تملي عليه شيئاً غير أمر واحد، هو الصمت، وبهذا الصمت المطلوب يمكن أن تعمل (أو لا تعمل) السلطة بهدوء من غير تشويش ضجيج المواطن، فالجميع هنا سواسية في الساحة لا فرق بين سياسي كبير مثل مسلم البراك أو كاتب شاب مثل محمد العجمي (بوعسم)، كان يحلم بوهم الحرية في الساحة ذات الأسوار العالية، مسلم ومن سيلحق بمسلم، وبوعسم ومن سيلحق ببوعسم، كلهم سواسية أمام النص القانوني كلهم “ولسون” في عالم 84 لأرويل، هل لك أن تتحدى النص؟ هل لك أن تعترض عليه؟ هل تفكر بأن تقول كلمة “لا” خارج النص خارج حوائط النص؟! هذا غير ممكن، ويستحيل، فهذا خرق لقداسة النص، وحين يحدث ذلك فلابد من العقوبة، ولا يمكنه الاعتراض على العقاب، فهذا اعتراض على المقدس، الذي يسمو عالياً فوق البشر، فوق الإنسان، فوق كرامته.
حالتنا كسافة، ما بعدها كسافة، عندما تغلق كل نوافذ الأمل بالتغيير، هي كسافة فقد الحرية، وهي كسافة ملاحقة من يتكلم ولو بكلمة نقد واحدة ضد الكسافة، لننته الآن بقناعة أن القانون هو الكسافة والكسافة هي القانون، هنيئاً لكم بقوانين ومؤسسات الكسافة. كسافة بلهجتنا تعني رداءة، أصلها “كسف” وكسوف، أي ذهاب ضوء الشمس، فهل ذهب نور الحرية أم لم يكن لدينا شمس الحرية بداية أم اننا نحيا هذه الأيام في حالة ظلام وكسوف كلي؟!