لم تكن نكبة 48، التي مرت ذكراها قبل أيام، أولى النكبات، ولا آخرها، بل سبقتها نكبات مرت بالأمة العربية والإسلامية، وتلتها أخرى، لكن النكبة الكبرى هي أن تمر بنا النكبة تلو الأخرى ولا نتعلم منها، ولا نقف على أسبابها الحقيقية، بل نستمر في تعاطي الأسباب ذاتها لنقع بالمسببات ذاتها.
النكبة الكبرى أن نتعامل مع اثارها كأمر واقع لا نملك إلا الاستسلام له، والقبول به على حساب حقوق الملايين من المشردين واللاجئين، وحقوق الأمة بأسرها!
النكبة الكبرى أن يتولى شأن هذه الأمة بعض من لا يستحق، لينطق باسمها، ويتاجر بقضاياها، ويعبث بمقدراتها، ويتنازل عن مستحقاتها، ويتحول إلى حارس لعدوها!
لو أننا كلما أبدى تسلطه
في أرضنا رجل وغد نبذناهُ
ما أصبحت أمة الإسلام سخرية
أو نال فينا عدو ما تمناه
ليست النكبة هي سبب تخلفنا وتراجعنا، وإنما تخلفنا وتراجعنا هما سبب النكبة، وكل ما جاء بعدها هو أثر من آثارها، ومن هنا وجب التفريق بين السبب الذي يكون قبل الحدث، وبين الأثر الذي ينتج عن الحدث، والعاقل من ينشغل بعلاج السبب، وليس بتحليل الأثر!
النكبة الحقيقية أن نستمر بممارسة التصرفات ذاتها التي أنتجت لنا النكبة ونتوقع نتائج مختلفة، ومنها أن نراهن في التغيير على قيادات وأنظمة ترفع شعار الممانعة، وتتاجر بقضية فلسطين، بينما في حقيقتها هي أكبر المستفيدين من النكبة، بل هي أثر من آثارها، فنظام الأسد يقتل أكثر من ربع مليون من أبناء الشعب السوري، ثم يتحدث كممثل لجبهة الممانعة ضد الصهاينة، وصدام حسين يغزو الكويت لأنها في الطريق لتحرير القدس! والحوثيون ينقلبون على الشعب اليمني وهم يرفعون شعار الموت لإسرائيل، وحزب الله يستثمر شعاراته ورصيده في مقاومة الصهاينة؛ ليتحول إلى أداة في يد أعتى دكتاتوريات العصر، وصدق المتنبي:
وسوى الروم. من ورائك رومٌ
فعلى أيّ جانبيكَ تميلُ؟!
فإذا كانت النكبة الشهيرة عبارة عن سرقة وطن بكل ما عليه من ق.بل قوى خارجية، فإن الوطن العربي بأكمله قد تعرض لسرقات كبرى من قوى داخلية!
تجلت آخر آثار النكبة في محاكمة رئيس عربي منتخب بتهمة التخابر مع حركة مقاومة وطنية تأسست لإزالة آثار النكبة، في إشارة واضحة إلى أنه لا تحرير من دون تغيير.
رغم كل ما سبق تبقى قضية فلسطين هي بوصلة الحراك العربي والإسلامي، وتحريرها من العدو الخارجي سيكون ثمرة لتحرر الأمة من الاستبداد الداخلي.. فمن هنا يبدأ الطريق.