حياتنا عبارة عن سباق وتسابق بكل الأمور، والظفر والفوز ليس دائماً للأوائل، فالأولية هي غالباً تُوجد الباب وتطرقه محاولةً الدخول فهي بمثابة الشمعة للآخرين، هذا حال التقدم أم التأخر فحالاته قاسية مريرة بل ومزيفة يبدو ذلك بواقعنا.
لأننا نرى التطور من الانسلاخ عن الدين والقيم والأعراف نحن متأخرون، لأننا ما زلنا نكرر الأسئلة حول الأبجديات ونكرر السماع لاجوبتها نحن متأخرون، لأننا نسأل عن انتصارات أسلافنا متعطشون لسماع قصصهم كي ننام باكراً نحن متأخرون، ولأننا فقط نسرد بطولاتهم تفاخراً نحن متأخرون.
لاننا نقلد ونقتدي بدول تظهر التطور والرقي وهي غارقة بالديون مدمنة على الدماء متقلدة الانحلال الاخلاقي«معظم الغرب وعلى رأسهما فرنسا وايضاً أميركا» وبالوقت ذاته نتغافل عن انجازات وبزوغ نجم قد كان منطفئ «تركيا الحالية» لأنه فقط مناهض لادعياء التطور المزيف نحن متأخرون، لأننا نرى الدين فقط صلاة وصيام نحن متأخرون، لأننا نرى أمننا متعلق بقوة غيرنا نحن متأخرون.
لأننا أول من يقرأ وآخر من يفهم ليطبق «إن فهمنا المراد حقاً» نحن متأخرون، لأننا نتفاخر بالماضي ونرى الحاضر هو المستقبل الذي نتمناه لأبنائنا نحن متأخرون.
تأخرنا وسنتأخر لأننا ما زلنا نرى تاريخ أسلافنا قصص للنوم وملاحم للتفاخر ووسادة لسكب العبرات وموضع للوم والحسرات، وعباءة نخفي بها حقيقة طموحاتنا الشخصية المحدودة دون استشعار أن الأمة جسد واحد تجمعها مبادئ عامة رئيسية هي في صالح الجميع.
تأخرنا لم يكن دهاء أو تريث ولا حتى مرغمين عليه، بل هو نتيجة عدم تقديرنا لما معنا وعندنا! لدينا عوامل الازدهار كلها وافضلها : دين وحضارة ومحفزات الارادة، وثراوت طبيعية، لكننا نعجز عن تصديق كل هذا لأننا متأخرين غير مدركين، نحن فقط نشعر بحماس التسابق والتقدم بالبرامج الهابطة السخيفة التي أشغلت الصغار قبل الكبار.
في الحقيقة نحن نرى التأخر ميزة كي لا تظهر رؤوسنا أمام من نسميهم الدول المتقدمة والقوى العظمى، وكأن الخوف قد أصبح عنواننا، مقتنعين بأن هذه الدول والقوى تخشى حضارة ما! ونحن ما زلنا مُصرين على أن المقصود غيرنا!.
من اشكال تأخرنا تلك الحملات التي نقيمها لجمع التبرعات من اطمعه وملابس وأموال ؛ وكأننا نجهز المنكوب ونزينه ونشبعه ليُقتل! وعكس ذلك ليس بقطع هذه المعونات وترك المنكوب يقتل، بل المطلوب هو التجرأ لحمايتهم والدفاع عنهم بشكل حقيقي وصريح لا الضعف بلباس الدبلوماسية المصطنعة للأسف.
أيها المتأخرون من سبقكم بعصركم ومن سيسبقكم فيما بعد ليسوا من كوكب آخر! بل هم فقط فهموا حقيقة القوة ومعنى الحضارة وذاقوا طعم الأمل ، هذا فقط ما جعلهم يسبقونكم.
***
ما بعد النقطة :
التأخر يجب أن نراه مرض عارض نستطيع أن نقوم منه وبصحة أفضل، افيقوا فحتى النوم قد ملّ منّا.