بدأت الحرب الإيرانية ـ العراقية عام 1980 وانتهت عام 1988، بعد أن خلفت خسائر هائلة، واكثر من مليون ونصف المليون ضحية، والنتيجة.. لا شيء!
هذه قصة أغرب من الخيال بينت بوضوح ما يمكن أن تجره الأنظمة الدكتاتورية من دمار على شعوبها والغير. وقامت المخرجة الكندية آن شين بتحويل القصة لفيلم وثائقي قصير وحزين.
يقول «زاهد» في الفيلم انه كان في الـ 13 من عمره عندما وقعت الحرب بين وطنه والعراق، وأنه قرر الهرب من والده، الذي كان يعتدي عليه، ليلتحق بالجيش كغيره من الصبية المراهقين. أثرت أهوال عليه كثيرا، وفكر في الهرب، ولكن دون جدوى. ويقول انه في يوم استعادة «خرمشهر» من العراقيين، ذهب لتفقد القتلى في خندق، وهناك رأى جثث الجنود مكدسة فوق بعضها البعض. سمع أنين احدهم فمد يده لجيبه يريد سلبه، واخرجها تحمل مصحفا وبداخله صورة امرأة وطفل، وأخذ الرجل يتوسل إليه أن يبقيه حيا، وقال له ان الصورة لصديقته وابنهما. يستطرد زاهد قائلا: انه أشفق على الرجل وأعطاه مسكنا للألم، وأخفاه لأيام خلف جثث رفاقه، ثم سلمه كأسير، ولم يره بعدها.
من جهته يقول «ناجح» انه كان يمتلك مطعما في العراق، وكانت لديه صديقة كان متعلقا بها ويريد الزواج منها، ولكنه استدعي للحرب، واعتقد أنه سيعود اليها بعد شهرين.
يقول ان الصواريخ الإيرانية ضربت يوما الخندق الذي كان يتحصن به فقتل جميع رفاقه، واصيب بجروح، ولكن جنديا إيرانيا صغيرا أنقذ حياته، بإخفائه خلف عدة جثث، وسلمه تاليا كأسير.
يعود زاهد ليقول انه وقع في أسر العراقيين بعدها، واطلق سراحه بعد سنتين من انتهاء الحرب. وعندما عاد الى بيته، لم يجد احدا، بل وجد شاهد قبره، فاصيب بصدمة، وكاد أن يفقد عقله، بعد أن فقد صباه وأهله. لم يجد أمامه غير الهرب الى كندا، ولكن الفقر والوحدة وذكريات الحرب جعلته حطاما، ومنهارا نفسيا وجسديا، وفكر جديا بالاقدام على الانتحار، ولكن رفيقه في الغرفة طلب منه الذهاب لطلب المساعدة قي عيادة ضحايا التعذيب في الحروب.
وهناك، يكمل عنه ناجح، قائلا انه في مكتب مساعدة ضحايا التعذيب في الحروب، حيث نصحوني أهلي ان اذهب لتلقي العلاج، التقيت بشخص بدت ملامحه عراقية، حاولت التحدث معه، ولكن تبين أنه إيراني! أخبرني انه كان أسيرا في العراق وأخبرته أنني كنت أسيرا في إيران، وبعد سؤال وآخر تعرف على الرجل، وقال انه الذي انقذ حياتي في ذلك الخندق!
كانت مفاجأة مرعبة للاثنين، فبعد عشرين سنة، من لقائهما الأول، كعدوين، في خندق الجبهة، ها هما يلتقيان كأخوين في تلك العيادة. تعانقا بقوة ومحبة وخوف، وكانت الدموع الغزيرة تنهمر من عيونهما المتعبة. وهنا، يكمل زاهد، بأن لقاءه بناجح غير مجرى حياته، بعد أن أقنعه بالتخلي عن فكرة الانتحار، وأن ذلك أنقذ بالتالي حياته.
نترك الخيار للقارئ ليسقط أحداث هذه المأساة على واقعنا الحالي!