لماذا الحزن؟ لماذا الكآبة ؟ لماذا يصر كثير من الناس دوما على الشكوى واستذكار الذكريات الأليمة التي مرت في حياتهم عندما يعيشون لحظات سعيدة؟ لماذا كلما سألت شخصا عن حاله وأحواله غالبا ما يكون رده بالشكوى والتذمر من سوء الأوضاع حتى لو كان من المشهود لهم بالنجاح ؟، لماذا يحب البشر دوما أن يشعروا بأنهم ضحية الظروف وغدر الآخرين وأن الحياة لم تكن عادلة معهم كما هي مع غيرهم؟
في اعتقادي أن هذا التشاؤم يعود الي أن البعض يرفضون السعادة لأنهم يعتقدون أنهم لا يستحقونها او لخشيتهم من زوال النعم بسبب الحسد والعين.. ليتنا جميعا نتعلم الاستمتاع بما تعطينا إياه الحياة من نعم، ونعمل أكثر ونشكو أقل عندما تعاكسنا الظروف، ونتذكر دوما الآية الكريمة: (وأما بنعمة ربك فحدث)، هناك من يعتقد أن السعادة هي في المال والقوة والنفوذ او هي البيت الفخم والسيارة الفارهة والملابس الغالية وكثرة الأولاد هكذا يظن البعض، لكن هل ظنونهم صحيحة؟
لا شك أن للأشياء الجميلة قيمتها وللمال غاياته وحلاوته، ونعلم أن كل ما في الحياة الدنيا أمل للغالبية العظمى من الناس، لكن أن تسيطر المادة على الأنفس وننسى المقربين الذين كافحوا وناضلوا معنا لهثا وراء إغراءات الدنيا للتمتع بها، سواء كان التمتع بالحلال أو الحرام، وأن ندوس على الغير تحت بند الغاية تبرر الوسيلة، وأن يشطح بنا الغرور، فنكون قد تناسينا إنسانيتنا ونسينا الله رب الكون وخالقه، وتحولنا إلى آلات تسير دون أدنى إحساس أو مشاعر راغبين في الوصول لأوساخ الدنيا غارسين في المقربين الشعور بالألم والإحساس بالخسارة.
«لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك» أي مركز وصل هؤلاء إليه كان يوما لغيرهم وسيصبح غدا لغيرهم، وأي مال ملكوه اليوم لهو إلى زوال، خاصة حين لا ينفق في أوجه الخير ويغدو للشر والرذيلة، إن هؤلاء عادة ما يكونون من محدثي النعمة التي جاءت إليهم في وقت متأخر فطغوا واغتروا. الحياة إلى فناء، لو أدرك الآخرون حقيقة أن نهاية الواحد منا إلى قبر وكفن لاتعظ وخشي ربه في بيته وماله وولده وحسب للآخرة ألف حساب وأعطى من يستحق العطاء وشكر وحمد و(لئن شكرتم لأزيدنكم)، اليوم نرى وجوها ارتدت أقنعة مخيفة من ظلم وقسوة وخيانة، أقنعة ظن فيها هؤلاء الآخرون أنها ستصل بها لأكثر من المال المملوك أو المركز المرموق، ونظرة فاحصة للمجتمع لسألنا أنفسنا أين هي الأسماء التي رنت في سماء المال والأعمال والجاه وأين غدت، اسماء لامعة انمحت إما بنهاية العمر أو انحسار الأضواء عنها أو لتقاعدها وانزلاق المقاعد عنها، كل ما سيبقى ويظل الذكر الطيب والسمعة الحلوة التي يكون صاحبها أسسها بخلقه ودينه، بتعامله الراقي مع الآخرين بالعدل والإحسان ومقابلة الإساءة بالحسنة الطيبة والتواصل الحسن..