يبدو لي أن بضع تعبيرات لغوية شعبية مستخدمة في الكثير من الدول العربية، بمقدورها أن تكون منطلقاً مهماً للباحثين في الدراسات الإنسانية والاجتماعية، والمهتمين بالتنمية البشرية، باعتبارها شكلاً من أشكال تنفيس «الغاضبين والمهمشين والمتذمرين» (سلام الله عليهم) من جهة، ولأنها تمثل – ديموغرافياً – حالةً من «التنبلة» المؤدية إلى تقديم الطبل وتأخير العقل.
* «ولد البطة السوده»: قد يعبّر أحدهم عما يلم به من غضب أو حنق أو عتاب حين يفوته قسرياً حق من حقوقه، أو أمل وضعه أمامه علّه يناله، وبذل من أجل ذلك جهده في التعليم واكتساب المعارف وتطوير الذات والعمل بجد واجتهاد، ليأتي اليوم الموعود فيجد نفسه خارج قائمة الترقيات أو المكافآت أو الامتيازات، وبالطبع، يجأر هنا بالشكوى: تارة رسالة، وتارة لقاءً شخصياً مع المسئول، وتارة يتوجه ليبث شكواه في الصحافة، ثم لا بأس أن تساءل: «لماذا أحرم من حقوقي رغم اجتهادي… هل أنا ولد البطة السوده». لا يا حبيبي، زمن ازدراء البطة السوداء انتهى، فهي اليوم قد تكون أفضل منك.
* «ولد الغسالة»: هل سمعتم هذه الكلمة من قبل؟ أعتقد أن الكثيرين قد سمعوها بالفعل، وأيسر وصفٍ لها لا يختلف كثيراً عن وصف «ولد البطه السوده»، إنّما الفارق هنا في ظني أن تجد كوادر وطنية – على سبيل المثال – تتميز في عملها وفي أفكارها وفي انضباطها، وليس لها إلا (الكرف ثم الكرف ثم الكرف)، ولربما وجد الفرص التي تمناها تطير من أمام عينه ويتبخر حلمه، ولعله يحمل قوة أمل واعتماد وتوكل على الله سبحانه وتعالى، ويأمل في غد أفضل، فهو يعرف نفسه جيداً أنه طاقة من العمل والنشاط وكأنه «ولد الغسالة». يا وليدي الغسالات أنواع وماركات… لا تيأس.
* «ولد الملحة»: سواء كان في جامعة أو في مكان عمله أو حتى في جمعيته أو لجنته التطوعية، لا يحظى هذا المسكين بحضور الاجتماعات المهمة أو اللقاءات مع الشخصيات ولا يدعونه أو يصطحبونه لحضور الاحتفالات، وقد يكون من الناس ذوي الكفاءة وصاحب أفكار، ولربما هو من قدّم ونفّذ هذه الفكرة أو هذا المشروع أو ذاك، لكن غيره يهرع لأن يكون في المقدمة، ولا يترك لهذا المسكين مجالاً في المؤخرة حتى، بل يبعده تماماً، حتى يشعر المسكين بأنه «ولد الملحة»! أقول يا الطيب.. المليح مليح.
* «ولد الباليوز»: أما هذا الصنف فهو غريب عجيب! ربما اعتبره البعض أنه صاحب نفوذ وقوة وثروة وسطوة، ولربما على العكس، اعتبره البعض الآخر فقيراً (منتفاً) ولكنه (نافخ نفسه على فاضي بلاش وكأنه ولد الباليوز). وعلى العموم، كلمة «ولد الباليوز» تستخدم في المجتمع البحريني كصيغة تهكم أو سخرية أحياناً من الشخص الذي يتظاهر بالغنى والفخفخة، وهي حسب علمي إيطالية الأصل وتعني القنصل أو كما هو الحال في تسمية «المعتمد البريطاني».. فيا ولد الباليوز.. باضوا على بيضك بيض.
* «هذا ولدنا»: حين تصل إلى هذه المرحلة فهنيئاً لك يارجل! فأنت ولدهم يعني أنك صاحب حظوة ومكانة رفيعة، حتى وإن كنت لا تمتلك من العلم والثقافة والفهم ما يجعلك في مناصب عليا، وليس لديك حرفة تتميز بها أو شهادة أكاديمية تعبت من أجل أن تنالها. وفي الحقيقة، هي تعبير جميل حين يأتي على ألسنة الناس العاديين: «فحين يقول لك رجل طيب أو امرأة فاضلة أو إنسان خلوق لا مصلحة له منك ولا منك له أنك ولده، فهي إحساس جميل للغاية». أما أن تكون (ولدهم) للمناصب وللمفاضلة بين من هم أفضل منك، فهذا يعني أنك (ولدهم وبس)… فالك طيب.
* «ولد الحلال»: أما هنا.. فليس أفضل من أن نضع كل أولاد الحلال (بنين وبنات) على رؤوسنا. هذه الكلمة الأجمل والأفضل والأعمق معنىً. أولاد الحلال هم «عروق البحريني الطيبة»، فلا ذلك الذي يتظاهر بالعروبة أو النخوة أو التدين وغيرها ينفع تظاهره ولا المنافق ينفعه نفاقه. أولاد الحلال تعنى مرتبة عظيمة من الله سبحانه وتعالى، وبارك الله فيكم يا أولاد الحلال.