تزايد مؤخراً احتمال وصول إرهابيي «داعش» إلى مدينة تدمر السورية التاريخية، وتفجير آثارها، مثلما فعلوا بآثار العراق، وقبلها بآثار معلولا، ووادي النصارى، وهي آثار لا يمكن تعويضها.
يمكن أن نصف «داعش» بما نشاء، ولكن التنظيم لم يخرج، وبشكل يدعو إلى الدهشة، قيد أنملة عما ورد في الكتب، بل يبدو واضحا حرص قادته على الالتزام حرفيا بالنصوص. وبالتالي يمكن القول إن هذه الشراسة في التعامل مع العلم والثقافة ليس بالأمر الجديد، فقد تكرر ما يماثله طوال التاريخ. ولو استعرضنا أمثلة قليلة لما تعرض له بعض كبار مثقفي العرب والمسلمين على يد الخلفاء المسلمين لوجدنا تفسيراً لما نراه الآن من غلو وتشدّد من هذه الجماعة أو تلك.
يعتبر عبدالله بن منصور، المعروف بالحلاج (858 – 922) شيخ متصوفي الإسلام، وشخصية عالمية في ثقافتها، وهو الذي جعل التصوّف جهاداً ضد الظلم والطغيان. وبسبب مواقفه، حكم عليه الخليفة المقتدر بالله بالموت، فضرب بألف سوط، وقُطعت يداه ورجلاه، وأُحرقت جثته، وألقي ترابها في دجلة.
ويعتبر مُحمّد عبدالله بن المقفع (724 – 759)، المجوسي الذي اعتنق الإسلام، وصاحب كتاب كليلة ودمنة وغيره الكثير، الذي عاصر كبرى الخلافتين، من اكبر مثقفي عصره، ولكن لم يشفع له شيء عند الخليفة العباسي المنصور الذي اتهمه بالكفر، ففصل رأسه وقطع أطرافه، وألقى بها في النار!
أما المتصوف الآخر السهروردي، أبو الفتوح يحيى، الشهير بشيخ الإشراق، تمييزاً له عن صوفيين آخرين يحملان الاسم نفسه، فهو فيلسوف شافعي من مواليد إيران. قتله صلاح الدين الأيوبي للشك في فساد «معتقده».
أما الكندي، الفيلسوف العربي الكبير، فقد سجنه وعذبه الخليفة العباسي المعتصم، وأهانه وسط الغوغاء، وهو شيخ كبير.
أما الطبيب العالم الفذّ الرازي، فقد ضرب على رأسه بكتبه، واستمر الضرب حتى فقد المسكين بصره.
ولا ننسى في هذه العجالة ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد (1126 – 1198) الفيلسوف والطبيب والفقيه والفلكي والفيزيائي الأندلسي، الذي يعد من أهم فلاسفة الإسلام، ولكن كل ذلك لم ينقذه من مصيره المحتوم، الذي لقيه من سبقه، كما لقيه بعده العالم الطبيب ابن سينا، وعالم الاجتماع ابن خلدون، من تهم الكفر.
والحقيقة أن البعض يعتبرون جميع هؤلاء وغيرهم كابن الهيثم والخوارزمي والفارابي، كفرة لا رحمة تجوز عليهم! وبالتالي يرون عدم إطلاق أسمائهم على أي مدارس أو مستشفيات أو معاهد علمية، وهذا ما لا تُخطئه العين.