تصادف وجودي منذ أيام متنقلاً بين كوريا الشمالية والصين، وسأترك انطباعاتي عن بيونغ يانغ لحديث آخر، حيث إن اللافت للنظر هو الاستعدادات المذهلة والمبالغ فيها للاحتفال بمرور 70 عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية. كان ذلك ملحوظاً في الصين وروسيا، فالتحضيرات في كل منهما كانت غير مسبوقة لحدث مشابه.
ليس هناك تقليد، في ما أعلم، بإقامة احتفال خاص بمرور سبعين سنة، فعادة تكون الاحتفالات مثلا بمرور 25 سنة أو 50 سنة أو 75 سنة، أو حتى 100 سنة، بما يطلق عليه عادة يوبيل فضي أو ذهبي أو ماسي أو بلاتيني، أما إقامة احتفالات بمرور 70 سنة خاصة وضخمة لحدث تاريخي، فلابد أن هناك حاجة ما قد أدت إلى كسر القاعدة.
ففي الصين جرى التركيز مثلا على اليابان ودورها في الحرب، وهو أمر مستحق، فحجم الانتهاكات والجرائم الإنسانية حينذاك كان كبيرا ومحزنا ومخجلا، ومنها وخلالها دخل مصطلح الإبادة الجماعية، ليستقر في الضمير الغائب للبشرية. وهكذا كان ما أفردت له جريدة “شاينا ديلي” من مساحة لانتقاد رئيس الوزراء الياباني لما وصفته رفضاً لاعتذاره عن المآسي التي ارتكبتها اليابان مثالاً.
وفي روسيا لم تخل المسألة من جدل صريح عن الحاضر لا عن الماضي، فقامت أنجيلا ميركل، “مواطنة ألمانيا الشرقية سابقا” بتوجيه نقد حاد في موسكو لسلوك روسيا في أوكرانيا، فردّ الرئيس الروسي بوتين عليها باتهام الغرب بازدواجية المعايير.
إذن الاحتفال بمرور سبعين عاماً على انتهاء حرب عالمية لم يكن للماضي، بل للتعبير عن ضبابية الحاضر.
احتفالات هذه السنة جاءت لتعبر عن حالة قلق، أكثر من كونها تعبر عن فرح، أيا كان نوعه ومستواه، كما أنها عبرت عن توتر حاد في العلاقات الدولية، لا يرى له حل في الأفق، ولعل أوضح حالة تطبيقية لذلك القلق والتوتر والضياع هي حالة الدماء السائلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. سالت دماء كثيرة لأبرياء كثر حينذاك، وبعد سبعين عاماً، مازالت دماء أبرياء تسيل دون توقف.