مع احترامنا للحكم المنتظر للمحكمة الدستورية بشأن دستورية أم عدم دستورية قانون الاختلاط، فإننا نجد انفسنا مدفوعين بفعل تعاظم الادلة ووضوح الرؤية التي عبر عنها الاباء المؤسسون وتضمنتها المواد الدستورية، نجد انفسنا مدفوعين الى استباق الحكم والتصريح بان الحكم هو تحصيل حاصل. فقانون مثل هذا ما كان اصلا ليصدر لو ان لدينا وعيا دستوريا وفهما ديموقراطيا لدى السادة المشرعين او حتى لدى ناخبيهم.
عند مناقشة إلزامية التعليم نبهت المذكرة التفسيرية للدستور الى ضرورة مراعاة شعور ورغبة «بعض» المواطنين من الذين قد يسوءهم اجبارهم على الزام ابنائهم، او بناتهم بالاحرى، على مواصلة التعليم العالي. او الذي يتجاوز سن البلوغ، بحكم ان الكثير من المواطنين في ذلك الوقت، بالمناسبة ليس الان، كانوا يفضلون الابقاء على بناتهم «مخفرات» في البيت. المذكرة التفسيرية راعت هذا الشعور حين حددت «في معرض تفسيرها للمادة الاربعين من الدستور» ولا ينبغي ان يتجاوز الالزام هذه المرحلة – وهي مرحلة في ذاتها متقدمة – لان في هذا التجاوز مساسا بحرية الوالدين في توجيه اولادهم، فضلا عن تعذر تقرير هذا الالزام للبنات في تلك السن وبمراعاة واقع تقاليدنا بهذا الخصوص. هنا وبشكل صريح لا لبس فيه تقرر المذكرة التفسيرية بان الاهل او الوالدين بالاصح هما المسؤولان عن توجيه اولادهما. ليست الدولة ولا السادة مشرعي مجلس الامة ولا البقية ممن اباحوا لانفسهم تربية خلق الله والتدخل السافر في شؤونهم الخاصة.
حرص الاباء المؤسسون على ان يراعوا تقاليد وعادات بعض اهل الكويت فلا يفرضون عليهم ما لا يستسيغونه او يتوافق وحالاتهم الذهنية. هذه الحالات التي كانت سائدة في الخمسينات وبداية الستينات، ولكنها لم تعد كذلك الان. والاولى بمن اعتقد بانه الاغلبية او تملكها في وقت معين ان يقتفي اثر الاباء المؤسسين والاتجاه الديموقراطي العام للنظام ويترك مسألة توجيه وتقرير مصير الابناء الى اهلهم وذويهم.
نحن نتفهم ان يصدر قانون يناشد الحكومة او حتى يجبرها على توفير التعليم المنفصل في مدارسها او معاهدها. فان كانت الاغلبية من المواطنين ترى ذلك فان هذا حق لها. لكن ليس من حقها ان تفرض على %49 الباقين ان يقتفوا اثرها او ان يلتزموا بما الزمت به نفسها.
يستطيع من يملك الاغلبية ان يفرض «الاتجاه» العام للنظام وللسلوك الاجتماعي، ولكن تبقى خصوصيات الافراد وحتى الجماعات شأنا «خاصا» ليس من حق من يملك الاغلبية آنيا ان يخضعه لرغباته او شهواته. هنا يتجلى «التعايش» الذي يمثله النظام الديموقراطي.. وهو «التعايش» الذي يفتقده بالتاكيد غلاة المتطرفين والكثير ممن يعتقدون انهم وجدوا ليُسيروا العالم.