ما هو المقصود بالطائفية، التي يكثر ترديدها الآن وفي إطار حمى كراهية عارمة، لا تبقي ولا تذر؟ ربما تعني معاني مختلفة عند كل طائفة أو فئة. فالذي يتحدث عن الطائفية، يفترض أن المقصود بها هي الطائفة الأخرى، وأن طائفته ليست طائفية، والعكس صحيح.
بالطبع وجود الطائفة أمر طبيعي، فالمرفوض هو الطائفية وليست الطائفة. فمن حق كل إنسان أن يختار طائفته، أياً كان شكلها أو حجمها أو فكرها، ولكن ليس من حقه الحجر على الطائفة الأخرى ومنعها من ممارسة طقوسها وعاداتها وتقاليدها طالما أنها لا تتعدى على غيرها ولا تحرض على الكراهية والعنف.
الطوائف أياً كانت يفترض أن تحتمي بسلطة القانون العادل في دولة تحترم المواطنة ولا تفرق بين مواطن وآخر على أساس طائفته، أو دينه، أو مذهبه أو عرقه. ولذا فأحد أهم أسباب “الطائفية” نقص العدل والمساواة، وضعف إحساس المواطن بكرامته. وهكذا يقتات السياسيون الطائفيون على الشعور بالغبن، بغض النظر عن مصداقية ذلك الشعور. أولئك السياسيون يصبون الزيت على النار لتحقيق وضعهم السياسي، سواء كان انتخاباً أو تعزيزاً لموقع.
لا حل لمعضلة الطائفية إلا بتعزيز العدالة في المجتمع، وحماية الطوائف المهمشة، وتمكينها من المشاركة الكاملة والفاعلة في المجتمع. فبدون شعور أبناء الطائفة بالمساواة فلن يتوفر انتماء للدولة، وكلما قلت العدالة زاد ابتعاد المهمشين عن الثقة بأجهزة الدولة.
وها نحن منذ سنوات، نعيش في سباق حواجز طائفية، ما إن ننتهي من خازوق طائفي حتى يبرز لنا خازوق آخر، وما إن نتجاوز حاجزاً فرضه من فرضه، حتى يبرز حاجز آخر، وبالذات في الحالة السياسية، فننقسم طائفياً بتناقض عجيب، وتحدث اصطفافات عجيبة في جملة من القضايا، فنرى أن هناك انتهاكاً لحقوق الإنسان فقط عندما تنتهك حقوق طائفتنا، واللعنة والثبور وعظائم الأمور على الطائفة الأخرى إن هي انتهكت آدميتها، فهم يستحقون ما يأتيهم من ويلات.
هكذا إذاً، ينقسم الناس وفقاً لطائفتهم سياسياً، فهم تارة مع حق الشعب، ثم ينتقلون للغيار الثاني في بلد آخر ليصبحوا مع النظام ضد الشعب، وينقلبوا مرة أخرى في بلد آخر. يبدو أنه صار علينا أن ندرك أن هناك متطرفين يريدون جر المجتمع لملعبهم، ولن يرتاحوا إلا عندما تسفك الدماء على التراب، كثير كثير من تلك الدماء وبالذات دماء الأبرياء من البشر.