كان أولى على دول مجلس التعاون أن تصفي خلافاتها في ما بينها قبل اجتماعها “التاريخي” مع الرئيس الأميركي، الإدارة الأميركية ستتحاور مع القيادات الخليجية ككتلة واحدة كما يبدو، وستطمئن دولنا بالتزام الدولة العظمى بأمن دول المجلس الخارجي، وأن الاتفاق المبدئي الإيراني الأميركي حول النووي لن يؤثر على ذلك الالتزام، وهو التزام بتدفق النفط للعالم وبأسعار قوانين السوق، ولا يبدو أن الإدارة الأميركية بصدد نقاش الخلافات “التاريخية” بين دول الخليج، فهذا “شأن داخلي” بين دول المجلس التي يتعين عليها أن تسمو فوق خلافاتها وجراحها.
دعونا نسمي الأمور بمسمياتها، فالخلافات بين دول مجلس التعاون، ليست جديدة، وقد تكون بعمق تاريخ وجود وخلق دول المجلس ذاتها التي كانت تحت الوصاية البريطانية باستثناء المملكة العربية السعودية، وتم تخطيط مشروع حدود كل دولة على الرمال حسب الولاءات القبلية للأسر المهيمنة بقيادة السيد البريطاني، فلم تكن هناك حدود طبيعية، وتم خلق الحدود السياسية المتنازع عليها الآن حسب هجرة واستقرار كل قبيلة، ومن هنا نلاحظ بصورة عرضية محنة الجنسية وكسبها وازدواج الولاءات الوطنية.
رحلت بريطانيا عن المنطقة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، لتورث الأميركان مهمة ضمان وجود دول المنطقة، الذي يعني ضمان أمن الشريان النفطي، لكن التركة البريطانية كانت مثقلة بنزاعات حول السيادة على حدود الإقليم، وتحديد الجرف القاري التابع لكل دولة، وكان خلق مجلس التعاون قبل ثلاثين عاماً، بنصيحة بريطانية، رد فعل للثورة الإيرانية وتحدياتها لدول المنطقة، أكثر مما كان نتيجة طبيعية وتطوراً تاريخياً مفترضاً لتكامل المنطقة، ولتحقيق نوع من التفاهم حول حلم الوحدة الإقليمية.
قيام المجلس لم يحل العقد التاريخية الصعبة بين دول المنطقة حول السيادة وتحديدها، وظلت تقريباً الخلافات قائمة بين دوله، ولم تحل الوساطات بين أمراء المجلس في ما بينهم الخلافات السيادية، كان يتم “ترهيم” تلك الخلافات لفترة من الوقت، ثم تعود من جديد بأسوأ من قبل… وظلت دول المجلس تعيد إنتاج خلافاتها الحدودية، بين كل فترة وأخرى، وترتبت خسائر اقتصادية كبيرة لكل أطراف المجلس جراء النزاعات السياسية حول الحدود الإقليمية للسيادة.
الآن مع التحدي الكبير، بتدهور بضاعة المنطقة الوحيدة، ومع حتميات عجوزات مالية قادمة، لم يعد بالإمكان تحمل استمرار خلافات “الأشقاء”، كما يحلو لوسائل إعلامنا الرسمية تسميتها، هي خلافات عميقة ومحزنة، وستدفع شعوب المنطقة وأجيالها ثمنها الباهظ. أولى خطوات الحل هي الإقرار بوجودها، دون مواربة، فهناك، بمثل محزن، خلاف بين الكويت والمملكة العربية السعودية في الخفجي أولاً، ثم الوفرة في ما بعد على شؤون نفطية وإدارتها، وهو ليس خلافاً فنياً كما يكرر إعلام الدولة هنا، وإنما يتعلق بقضية السيادة، وضرر الخلاف مكلف على المملكة والكويت معاً، وإن كان حجمه على الكويت كبيراً لصغر حجم الإنتاج النفطي مقارنة بالمملكة.
لا يمكن ختم الخطاب الآن بتمنيات حالمة وآمال واعدة، عن تجاوز الخلافات، فأمام قيادة البلدين فرصة بتر الخلاف لمصلحة الشعبين، مرة واحدة وللأبد، في كامب ديفيد الآن، أو في الرياض أو الكويت في ما بعد، وفتح تفاصيل ونقاش مسائل الخلاف وحسمها في اتفاقيات المنطقة ضرورة، ففي التفاصيل يكمن الشيطان، ولا أحد يريد سيادة الشيطان.