تعد مرحلة الشباب من أهم المراحل العمرية التي يعيشها الإنسان، كونها تحمل خصائص المراحل السابقة عنها وكذلك اللاحقة، فإنها تشكل أيضا مجالاً خصباً، تتصارع فيه الأطر والمؤسسات التربوية و الاجتماعية والثقافية والسياسية بمختلف أنواعها، كما أن نمو حاجات الشباب ورغباتهم الفيزيولوجية والاجتماعية، تصبح أكثر إلحاحا، حيث يتطلب إشباعها سقفاً من المطالب يتجاوز في غالب الأحيان ما توفره المؤسسات القائمة. ليتطور الصراع من صراع له مضمون داخلي مليء بالتوترات النفسية، بين رغبات الشباب من جهة، والأطر المرجعية التي لا تتيح مجالات أوسع للإشباع من جهة ثانية، تبعاً لنوعية القيم السائدة، وطبيعة الممنوعات المتبعة داخل كل مجتمع.
وعلى الرغم مما تحققه هذه المرحلة لدى الشباب من تطور على مختلف الأصعدة، يكتسب خلالها كفاءات تجعله قادراً على التكيف الإرادي والمشاركة وإبداء الآراء والمواقف، إلا أنه لا يبقى مع ذلك في مأمن من أشكال مختلفة من المعاناة، والاصطدامات المباشرة وغير المباشرة مع المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسلطوية، قوامها في غالب الأحيان «القمع، والقهر، والتخويف، والتهميش»، ويمكننا بذلك إبراز أهم المخاطر والمشكلات التي تعاني منها فئة الشباب في البلدان العربية، وذلك على النحو التالي؛ انتشار العنف بين الشباب، ارتفاع معدلات الطلاق بين المتزوجين من فئة الشباب، ارتفاع معدلات البطالة بين فئة الشباب، انتشار تعاطي وإدمان المخدرات، ضعف قدرة النظام التعليمي على خلق وإعداد أجيال قادرة على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.
وبنظرة عامة حول أوضاع فئة الشباب في مختلف البلدان العربية نجد أن تعداد السكان الشباب في الدول العربية ينمو بشكل سريع جداً، فأكثر من نصف السكان في الوطن العربي اليوم هم تحت سن 25 سنة، و65% من سكان الوطن العربي هم تحت سن 30 سنة، ولم يوجد في التاريخ العربي جيل شباب أكثر من هذه النسبة، إنها ثاني أكبر نسبة في العالم بعد جنوب الصحراء الكبرى وشمال أفريقيا.
إن هذه الزيادة الملحوظة في نسبة الشباب في الدول العربية، لا يقابلها زيادة في فرص العمل، مما يؤدي إلى ارتفاع كبير في معدل البطالة، والمنطقة العربية لديها أكبر معدل بطالة في العالم، حيث تبلغ نسبة البطالة فيها نحو 11.4% وذلك في عام 2013 معظمها يتركز في فئة الشباب، مما يزيد في تفاقم المشكلة.
إن نسبة كبيرة جداً من هذه الجيوش من الشباب العاطل عن العمل لديها مؤهلات علمية مرتفعة، ولكنها لا تستطيع تحويل تعليمها إلى عمل منتج، كما أن هناك ارتباط واضح بين مستوى التعليم ومستوى البطالة، ومعظم الدراسات تؤكد أن النظام التعليمي في المنطقة لا يؤهل الشباب للحصول على فرص العمل المتوفرة في السوق، وبالمحصلة تؤدي هذه الظروف إلى زيادة حجم الإحباط لدى الشباب، وتجعلهم قنبلة موقوته ولديها قابلية عالية للميل للعنف، والانضمام للحركات الاحتجاجية، فهي أكثر فئات المجتمع تضرراً من هذه الظروف الاقتصادية التي لم تتمكن السلطات الحاكمة من معالجتها .
كما أن الأحوال الاجتماعية ليست بأفضل من الظروف الاقتصادية، بل هي انعكاس لذلك الوضع، والتي أفضت إلى انتشار مشاعر اليأس والإحباط والاغتراب والرغبة بالهجرة بين الشباب العربي، فقد أكدت دراسة حديثة أن 70% من الشباب في العالم العربي يريدون أن يتركوا المنطقة ويهاجروا، وذلك بسبب غياب العدالة الاجتماعية والمساواة، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، والإحساس بالظلم الاجتماعي، ونقص أو امتهان الكرامة، واستمرار المعاناة لدرجة أن أغلبية الناس في هذه المجتمعات يصنفوا بأشباه مواطنين.
إن الظروف سابقة الذكر دفعت الشباب العربي، لقيادة حركات احتجاجية من أجل إحداث التغيير في الواقع الحالي من خلال إعلاء حكم القانون، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، والشفافية، وحرية العيش، ومنع الفساد، وذلك من خلال ما بات يعرف اصطلاحاً بالربيع العربي.