انتصرت الحكومة لنوابها المتضررين من صراحة جمعية الشفافية، حين قالت للأعور أنت أعور، وحلت مجلس إدارة الجمعية، لتعين مجلسَ إدارة فترة مؤقتة، ويمكن خلالها، إعادة تركيب وترتيب أوضاعها حتى تلد لنا “الديمقراطية الكويتية” مسخاً آخر، بحكم العادة الأصيلة للسلطة، مثلما فعلت بإعادة تقسيم الدوائر في ثمانينيات القرن الماضي، أو بهذا المجلس المتألم عدد من نوابه من محاولات جمعية الشفافية إظهار بعض الشفافية بكشف عورات الفساد بالدولة.
لجأت الحكومة، كعادتها، في أسباب حل الجمعية، إلى تكرار نغمها النشاز عن تدخل الجمعية بالسياسة، وتشويه صورة الكويت بالخارج، وكأن “الخارج” الذي تتعذر به السلطة هو كتل من العميان والطرشان، لا يرون ولا يسمعون عن حالات التسيب والفساد بالدولة إلا عن طريق جمعية الشفافية! سايرت الحكومة مجلسها، بكذبة وعذر “صورة الكويت بالخارج” لتبطش بمؤسسة ناشطة من مؤسسات المجتمع المدني، لم تجامل ولم تداهن جماعات المصالح بهذا المجلس، الذين هرولوا إلى السلطة يشتكون لها من “طولة لسان” أعضاء جمعية الشفافية، ووقّع عدد منهم طلب التحقيق مع أعضاء مجلس الإدارة عن “طول لسانهم”، حين قاموا بواجبهم، بينما أغمضوا عيونهم عن مطولات الفساد التي تزخر بها الدولة.
ليست مهمة جمعية الشفافية “تحسين صورة الكويت بالخارج”، فهذه من مهمات صالونات الحلاقة والتجميل كأقسام تابعة لوزارتي الإعلام والخارجية، وليس من واجبات مؤسسات المجتمع المدني، الذي يتم نحر ما تبقى منها ببطء على يد التابعين من جماعات السلطة.
عذر السلطة الواحدة، في الحل، هي تجاوزات الجمعية لقانون جمعيات النفع العام، وتدخلها في السياسة، مع أن النظام الأساسي للجمعية حين عرف الفساد في المادة الثانية بـ”سوء استغلال السلطة في القطاع العام والخاص المكلف بها الفرد لتحقيق منافع خاصة…”، وإذا اعتبرنا تطبيق هذه المادة على أرض الواقع “تدخلاً في السياسة” فماذا يبقى للجمعية كي تتحدث عنه؟ ولماذا تمت الموافقة بداية على إنشاء مثل تلك الجمعية طالما، أن عذر التدخل في السياسة هو الخط الأحمر لهذه الجمعية أو لغيرها من الجمعيات؟!
وإذا كانت السلطة وجماعتها تريدان مجالس صورية على شكل مجلس الأمة الحالي، فكان أولى بالسلطة أن تحل بقية الجمعيات دون استثناء، وتلحقها بمؤسسات الدولة الرسمية بعد تعيين أعضائها من فرق “إذا حبتك عيني ماضامك الدهر”.
كل ما تحتاج إليه الحكومة أن تمارس بعضاً من الصراحة مع معظم – إن لم يكن كل- جمعيات النفع العام، وتعلن إلحاقها بها، فتلك الجمعيات في الواقع “دي فاكتو” ملحقة بالسلطة، تعيش من نفقاتها، وتسير تحت ظلالها، ولا تخرج عن طوعها. تلك الجمعيات هي رتوش تجميلية يائسة تحاول أن تجمل قباحة الوجه السلطوي، لذلك لا حاجة بعد إزالتها أن نقيم مجالس عزاء.