بعد مشهد إخلاء سبيل النائب السابق مسلم البراك وهو محمولاً على الأكتاف وسط هتافات محبيه من أبناء الشعب الكويتي ، تبادر إلى ذهني عدة تساؤلات من بينها : هل سيكتفي مسلم البراك في الحديث عن الفساد المستشري في البلاد ؟ أم أنه سيوجه كلمة مختلفة من شأنها أن تعيد ترتيب بعثرة وشتات «أعضاء الأغلبية»؟
استطاع مسلم البراك أن يجيب على تلك التساؤلات من خلال مصطلح جاء في وقته المناسب عندما قال:«لم يكن هناك نشاط للأغلبية لكي يتم إيقافه ، وإذا كان هناك تراجع فالأغلبية هي المسئول الأول عن ذلك ، لذلك أُعلن عن تحرك النضال السياسي لا الإنتخابي» . هكذا وجه البراك كلمته التي تم تداولها من خلال وسائل التواصل الإجتماعي ، والتي أثارت ردود أفعال عديدة و متنوعة ، من بينها ما أكتبه الآن عن مصطلح «النضال السياسي» ، الذي يشير الى سلمية العمل السياسي المنظم والهادف الى تغيير الواقع السياسي الحالي نحو واقع لا يختلف عليه كل عاقل ومحب لهذا الوطن . أنه واقع الحريات الذي يكفل للجميع حق التعبير عن الرأي دون اعتقال و تخوين و مضايقات لا تصب في صالح الدولة و المجتمع الكويتي . و واقع لا يشبه على الاطلاق ما نعيشه الآن من تراجع في التنمية السياسية والاجتماعية والفكرية ، التي جعلتنا في قاع التخلف و الفساد بمعناه الواسع.
أما فيما يتعلق بأعضاء الأغلبية الذين أكن لهم كل احترام وتقدير ، أجد أنهم أمام خيارين لا ثالث لهما ، إما أن يراجعوا متطلبات «النضال السياسي» بعقلية المواطن لا العضو السابق ، أو أن يتراجعوا عن مقدمة صفوف المشهد الحالي ، لأن هناك العديد من أبناء وبنات الشعب الكويتي باختلاف معتقداتهم وفئاتهم على أهبة الاستعداد لإعادة النبض لهذه الصفوف من خلال أهداف وطنية ذات طابع مستمر و ليس وقتي ، ومساحة واسعة تُترجم بها تلك الأهداف إلى واقع يحمل المعنى الفعلي والحقيقي لدولة المؤسسات والدستور التي يتساوى بها الجميع دون استثناء، وليست دولة الشخوص التي تعزز منطق المصالح و الإقصاء والتهميش.
بدأت هذه المقالة بصيغة خطاب عنوانها «لم تكن سجيناً يا أبا حمود» ، ليس بالنسبة لي فقط بل لكثير من أبناء وبنات هذا الوطن الذين أيقنوا و أدركوا حقيقة هامة وهي: أن الأغلال لا تقيد الأفكار ، والقضبان لا تمنع ظهور أصوات الحرية والسجن لا يخفي الحقيقة مهما طال الزمن . لذلك لم تكن سجيناً يا أبا حمود ، بل حراً حاضراً في قلوبنا وفكرنا من خلال مواقفك الوطنية الأصيلة من أجل وطن نسمو به ويسمو بنا ، ومن أجل الدفاع عن حرية الآخرين . وهنا أستذكر ما قاله المناضل والزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا «أن يكون الإنسان حراً لا يعني مجرد تحرره من الأغلال التي تقيده بل أن يعيش بطريقة تحترم وتعزز حرية الآخرين».
إن مسار النضال السياسي السلمي الذي دعا إليه مسلم البراك ، من الممكن أن يعيد الروح لدستور عزز قيم الحرية والعدل والمساواة والديموقراطية والتسامح وإحترام حقوق الإنسان . وذلك المسار ليس قصيراً أو سهلاً ، بل مسار طويل ومعقد و بحاجة إلى كل عاقل و حكيم و مثقف يمنع انحسار النضال السياسي عن مساره السلمي والعقلاني.
آخر مقالات الكاتب:
- ساعة مع الغنوشي
- من هم الإسلاميون التقدميون؟
- الإسلاميون والكماليون في تركيا: صعود الهامش وتراجع الأساس
- الحشاشون في المخيلة الروائية
- قراءة في قرار مشاركة “حدس”
- وعود حزب النهضة التونسي
- حزب حركة النهضة التونسي : من خيار الدمج إلى خيار الفصل
- أزمة الفكر العربي
- قراءة لقصة مناضل يعيش بيننا الآن
- لم تكن سجيناً يا أبا حمود