في ظل ظروف تتفاقم فيها الأزمات، وتزداد حدة، بمنطقة الشرق الأوسط، والجزء العربي على وجه التحديد… والقائمة طويلة، آخرها أزمة اليمن، وقبلها أزمة “داعش”، وقبل ذلك محنة سورية مع الجزار بشار، وأيضاً مثل ذلك، وضع العراق والصراع الداخلي فيه.
في هذه الظروف، يتجه حكام دول الخليج للقاء أوباما (سيد البيت الأبيض)، وتبدأ اللقاءات في واشنطن، ثم تستمر يوماً آخر في كامب ديفيد.
اللقاء تحدد موعده بعد الإعلان عن اتفاق إيران النووي، الذي أحدث ردة فعل عنيفة، وصفها بعض الكُتّاب، بأنها حالة فزع، أو بالأحرى غضب، فما الذي يُغضِب أهل الخليج؟ وماذا يُفزِعهم؟
قبل الاتفاق، كان الحديث عن المخاوف من برنامج إيران النووي، باعتبار أن امتلاك إيران لسلاح نووي يهدد أمن دول الخليج، وسيبقى سيفاً مصلتاً في وجوههم ووجودهم، وأقل الشرور هي الآثار السلبية على بيئة مياه الخليج.
يتفق كل مَن كتب حول هذا الموضوع على أن امتلاك السلاح النووي قد لا يُعد تهديداً، في ظل ظروف توازن الرعب النووي عالمياً، ولن يسمح لأحد باستخدامه، إذ إنه يُعد اختلالاً رهيباً في ميزان القوى الدولي، ويكفي أن نستعيد تصريح هيلاري كلينتون، بأن الرد على إقدام إيران على استخدام السلاح النووي، إذا ما حصلت عليه، سيكون عنيفاً يمسح إيران.
تمدد النفوذ الإيراني
بناءً على ذلك، تحوَّل الحديث عن مخاوف دول الخليج بعد الاتفاق النووي المبدئي، الذي ينتظر أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأنه في آخر شهر يونيو، وجوهره تقييد قدرة إيران على الوصول إلى امتلاك سلاح نووي، إلى حديث عن تمدد النفوذ الإيراني بالمنطقة العربية، وفي هذا الصدد، لا يوفر المسؤولون الإيرانيون فرصة إلا ويطلقون التصريحات التهديدية، التي تزيد القلق والمخاوف اشتعالاً… وآخرها تصريح نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، بأن أمن اليمن من أمن إيران، وأنها لن تسمح بالعبث به.
وهذا قد يُفسَر بأن المنطقة من اليمن حتى الضفة الشرقية للخليج كلها جزء من الأمن الإيراني، أي أن إيران تعطي لنفسها الرخصة الشرعية للتدخل فيها، إذا ما شعرت بأن ظروفاً استجدت في هذه الرقعة تهدد أمنها، وشمال هذه المنطقة من العراق إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، فإيران تعدها مناطق نفوذ، وليست فقط مناطق تمس الأمن الإيراني.
الخطر الحقيقي
إذن، الخطر الحقيقي، الذي تخشاه دول الخليج، هو ليس امتلاك إيران للسلاح النووي، الذي سيكون محرَّماً عليها استخدامه، بل هو تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، والهيمنة عليها، كما هي الحال في العراق وسورية ولبنان، كما أن إطلاق التصريحات الإيرانية عن أن بغداد هي عاصمة الإمبراطورية الإيرانية يعمّق هذه المخاوف.
إذن، ماذا سيجني حكام الخليج من أوباما في اجتماع كامب ديفيد؟
التقارير تقول إن أوباما سيحاول طمأنتهم، بأن أميركا ستضمن أمنهم في مواجهة أي تدخل خارجي، وهذا يُعد “تحصيل حاصل”، وقد أكد أوباما ذلك في حديثه مع الصحافي توماس فريدمان، وتدخل أميركا وحلفائها ضد احتلال العراق للكويت عام 1990 مثال على ذلك.
يُضاف إلى هذه الضمانة، تلبية مطالب دول الخليج، بتزويدها بالسلاح… طبعاً بمقابل نقدي، وليس معونة، مثل الأسلحة التي تقدَّم لإسرائيل، لضمان تفوقها على العرب، وآخرها تصريح نائب الرئيس الأميركي، بمنح إسرائيل طائرات مقاتلة من طراز إف 35، لتكون الدولة الوحيدة بمنطقة الشرق الأوسط التي تمتلك تكنولوجيا الجيل الخامس من هذه المقاتلات الأميركية، ولضمان تفوقها العسكري في المنطقة.
بعد ذلك، نأتي إلى القضية المأزق، وهي موضوع تمدد نفوذ وهيمنة النظام الإيراني في المنطقة.
إبان نظام الشاه، الذي كان يطمح إلى أن يكون شرطي الخليج، كانت هناك مخاوف، لكن ليست بحجم المخاوف الحالية، بسبب اختلاف النظام، فالنظام الإيراني الحالي يستخدم الدين في تعزيز نفوذه باستغلال الموالين له دينياً، كما هي حال “حزب الله” في لبنان، الذي عطَّل الحياة السياسية فيه، وكما الحوثيون في اليمن، الذين يتجاوز طموحهم أو طمعهم حالة “حزب الله”، الذي يريد أن يلعب دوراً مؤثراً في السياسة اللبنانية، بينما الحوثيون يريدون هيمنة وسيطرة كاملتين على اليمن، وهو ما تراه دول الجوار تهديداً مباشراً لأمنها.
إزاء هذا الإشكال، ماذا يستطيع أوباما وحلفاؤه إعطاء تطمينات أو ضمانات تجاه هذا التمدد الذي يثير القلق؟!
مكاسب استراتيجية
هنا يجري الحديث عن أن إيران إذا أنهت الاتفاق المبدئي، باتفاق نهائي، فإنها تكون قد قدَّمت تنازلات مؤلمة، بمعنى التنازل عن طموحها في امتلاك سلاح نووي، مقابل مكاسب استراتيجية ضخمة، تجعل منها صاحبة الدور الأكبر، إقليمياً، بغطاء أميركي معلن، كما ذكر الكاتب عبدالرحمن الراشد، نقلاً عن تفسير الكاتب البريطاني روبرت فيسك في الإندبندنت، والراشد سبق أن كتب تعليقاً على الاتفاق، بأنه إذا كانت إيران مصدراً للقلق والتوتر في المنطقة، وهي في قفص الحصار الاقتصادي، فكيف ستكون الحال إذا أُطلقت من القفص، واستعادت قوتها الاقتصادية؟
خطر ذو طبيعة مختلفة
حتى الآن، لا يوجد أي حديث عن تقديم أوباما تطمينات أو ضمانات تجاه المخاوف الحقيقية لدول الخليج، وربما للدول العربية تجاه تهديد تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، فهو خطر ذو طبيعة مختلفة يعتمد على استثمار الولاء لنظام المرشد، فقد أطلقها السيد حسن نصرالله، بأنه يعد المرشد خامنئي إمامه ومرشده وقائده ووليه، وهو تعبير يعني الخضوع لما يأمر به المرشد، وليس الرئيس اللبناني أو البرلمان اللبناني أو الشعب اللبناني بكل مكوناته.
آخر مقالات الكاتب:
- انتخابات 2016 فرحة لم تكتمل
- أول مجلس يحلّ نفسه
- لا تزرعوا الكراهية فنتائجها وخيمة
- الانتخابات المقبلة… المقاطعة أسلم أم المشاركة؟
- الفساد وصل إلى العظم
- منع الاختلاط والحول الفكري
- الدمار والقتل في حلب مسؤولية روسيا
- المأزق الذي نواجهه من صنع السلطة
- وداع… وإنقاذ
- برنامج الحكومة الإصلاحي… لا جديد فيه ولا يحمل جدية