هناك جانب فطري وإنساني في مفهوم المواطنة لا يمكن القفز عليه أو تجاهله مهما قُدم من مسوغات ومبررات. لذلك، لا أظن أن الرأي العام الكويتي مقتنع بأن ما قامت به وزارة الداخلية من سحب للجناسي والإبعاد أمر نابع من منطلقات قانونية عادلة، ومن حرص على سيادة القانون. فالكل يعلم أن الخلاف وحالة الاحتقان السياسي التي تمر بالبلاد ربما هما اللذان يقفان وراء مثل هذه القرارات، فحرص وزارة الداخلية على تطبيق القانون وتحقيق العدالة من دون تمايز أمر مشكوك فيه، وهناك العديد من الشواهد والأحداث التي تعزز مثل هذه الشكوك!
وزارة الداخلية استعملت أسوأ أدوات العقوبة بطريقة انتقائية، وأحياناً تعسفية، قد تُفقد المواطنين الشعور الحقيقي بالانتماء إلى وطنهم، كأن المواطنة أصبحت مختزلة بتقديرات وزارة الداخلية، فبالإمكان أن تلغيها بذرائع قانونية واهية في الغالب، بسبب خلاف سياسي، وهذا سيساعد في غياب شعور بعض المواطنين بالولاء الحقيقي، ليحل مكانه الشعور بالرغبة أو الرهبة، وهذا الشعور لا يجعل للمواطنة قيمة معتبرة.
يفترض بوزارة الداخلية أن تعي أن أمن البلاد ومصلحتها العليا لا يمكن أن يحفظا من خلال المساس بمصائر البشر، وهويتهم، وابتذال مفهوم المواطنة الدستورية، وفتح باب المساومات عليها، وتحويلها إلى رعوية، تقسّم المواطنين، فتُمنح لهم وتُمنع عنهم بناء على رضا الحكومة ومزاجها تجاههم، من دون مراعاة الآثار المترتبة على هذا المسلك في نفوس المواطنين وفي نظرتهم لطبيعة علاقتهم بوطنهم وبالحكومة.
ما حصل من سحب الجناسي من مواطنين كويتيين، والإبعاد المهين للأخ سعد العجمي، وحرمانه من حق التقاضي والمثول أمام القضاء لعرض مظلمته أمر تجاوز الخلاف السياسي، ليتحول إلى إجراء خطير قد يزرع بذور الانفجار المجتمعي، ويجعل من المسلك الذي انتهجته الوزارة نهجاً طبيعياً لكل مَن يميل ميزان القوى لمصلحته، فمن تكون بيده السلطة اليوم، ويبتدع طرقاً للتخلص من خصومه، فإنه يعطي مشروعية لاستعمال تلك الطرق في حقه إذا مال ميزان القوى لمصلحة خصومه، وعندها لن ينفعه القول «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض»، فمن يزرع الاقصاء اليوم، يحصد ثماره مُرّة ولو بعد حين.. هكذا يخبرنا التاريخ!
سيبقى العجمي والبرغش والعوضي والجبر كويتيين بانتمائهم الحقيقي لهذا الوطن وبحبهم وإخلاصهم له، مهما قيل عنهم، ومهما تشمّت الشامتون، وبإذن الله سيأتي اليوم الذي يُنتصف لهم فيه، ويعود الحق لأصحابه.