بحدود المعقول نقرص أذن الصغير حين يشاغب ويخرج عن معايير الأصول التي نفرضها عليه، والتي نتوارثها بأقنية تركة ثقافتنا الخاصة جيلاً بعد جيل، القرص هنا يكون عقوبة بسيطة لفعل نراه شذ عن قواعدنا وطقوسنا القديمة، ويمارس حتى لا يعيد الطفل تكراره، وبمثل ما نعامل الطفل حين يخرج عن الأصول المرعية تقوم السلطة بقرص أذن المواطن حين يتجرأ ويخرج عن “أصولها” التي عبرها تكبح حرية المواطن، والتي يجب حسب فقه السلطة أن تمارس حسب القانون، هذا القانون هو يد الأب أو الأخ الأكبر القاسية التي تمارس بها عملية التأديب للمواطن الطفل الجانح.
حين حجزت السلطة النائب السابق وليد الطبطبائي بتهمة نشر أخبار كاذبة أو أي تهمة أخرى يراها الأب أو الأخ الأكبر من مدونة قانون الجزاء المتورمة بالعقوبات المنافية للدستور وحريات الضمير فإنها بهذا الحجز قرصت السلطة أذن وليد، بغرض تأديبه، ورغم أن كلمة “تأديب” تعني عقوبة اتخذت شكل الحبس الاحتياطي حتى يضفى عليها شكل العقلانية القانونية، وتروج للسذج عن قيام “دولة القانون” بواجباتها، إلا أن الغرض النهائي سواء كان موضوعه وليد أو أياً من الشباب المنسيين في السجون بسبب تغريدات انفعالية تجاوزت الحدود عند فكر السلطة، لا يعني في النهاية غير القمع والاستبداد السلطوي.
يبقى الإقرار، في النهاية، بأن وليد الطبطبائي ومعه الكثيرون يعانون بمبرر أحياناً وبغير مبرر في كثير من الأحيان من “إيران فوبيا”، أي العقدة الإيرانية، حين يرون أنه لا قضية في علاقات الدولة الخارجية غير إيران وتدخلاتها في المنطقة، وتزيد جرعة المبالغة في تضخيم وتهويل شأن هذا “الخطر الإيراني” حقيقياً كان أو مزعوماً حسب الظروف المتغيرة، وحين ننساق وراء هذا التصور أو الوهم، الذي يخفي نوعاً من الطائفية المذهبية سنجد أن أصحاب هذا الرأي هم ضحايا التفسير التآمري لكل حدث تاريخي، وخير مثال سخافة ما تم ترويجه قبل أيام عن “الرقي” (البطيخ) الكيماوي الذي ضبطته الجمارك، واتضح أنه مجرد “رقي” نخره الدود وفسد لأي سبب طبيعي. قد يكون من المناسب الآن تذكير جماعات “إيران فوبيا” بأن ضمان أمان الدولة وكل سيادتها على إقليمها ومواردها لا يكون بالشحن الطائفي أو رفع شعارات غير مفهومة مثل “إيران خط أحمر”، وننسى التاريخ قبل ربع قرن وما حدث من الشقيق العربي العراقي، أو نتعامى عن قراءة واقع حاضر الآن، لكن يظل في النهاية، ورغم كل أمر، أن ممارسة قرص الأذن تبقى ممارسة غير مشروعة.