الزميل أحمد الجار الله رئيس تحرير «السياسة»، وجد نفسه في مواجهة حملة شرسة. استهدفت النيل منه، بحجة انه لا شيء، وانه بدأ حياته عاملا في وظائف متدنية. الزميل حاول ان يرد على ذلك حسب تربيتنا ومفاهيمنا الدينية. فاختار الرسول نموذجا للعصامي الذي كان فقيراً وبدأ حياته في اعمال متواضعة. اختيار الرسول مثلا وقدوة، واستخدام سيرته حجة ضد من يسخر من الاعمال الشريفة ومن العصاميين من الناس، تحول الى جريمة واهانة للرسول عند البعض. وشارك القضاء مع الاسف هذا البعض، فحكم على الزميل الجارالله بالحبس سنة كاملة لاهانته المزعومة للرسول!!
محاكمنا، والذين يكيفون التهم ضد الاخرين، اعتادوا ان يحكموا على النية. وان يتوغلوا في تفسير النوايا والمقاصد. سؤالنا هنا: هل كان الجارالله ينوي استهداف الرسول؟ هل كان معنيا بالاساءة اليه وتصغيره؟ ام انه كان اولا يدافع عن نفسه، وثانيا، وهذا الاهم، استحضر سيرة الرسول حسب فهمه من اجل تفنيد ادعاءات مناوئيه وإثبات ان العمل الشريف، مهما كان متواضعا، ليس عيبا، بدليل ان رسول الله مارس الاعمال الشريفة رغم تواضع بعضها. لكن مع هذه النية الواضحة والقصد الشريف تمت ادانة الزميل الجارالله والحكم عليه بالسجن سنة كاملة. وهذه المرة باستبعاد النية ومن دون النظر في الوقائع والظروف التي تمت فيها الاساءة المزعومة.
ان تحويل استذكار والاشارة الى قيام الرسول بالاعمال الشريفة الى اهانة واساءة اليه. يعني الحط من قيمة هذه الاعمال، والتعدي على القائمين بها. بهذا تصبح هذه النظرة الى الاعمال الشريفة مخالفة صريحة لنصوص الدستور التي ساوت بين الناس وثمنت القيام بالشريف والنافع من عمل.
كثيرون لديهم مآخذ على الزميل، ولا احد يلومهم، فأحمد الجارالله صاحب رأي وصاحب مصلحة ايضا. لكن يبقى انه من حقه ان يعبر عن رأيه وان يحافظ على مصالحه مهما اختلف الآخرون معه في ذلك. لهذا فان من المستنكر ان يتطوع البعض، وخصوصا من اصحاب «الرأي» والمعنيين بالمصلحة العامة ودعاة الديموقراطية او الحكومة المنتخبة حسب دعاويهم، من المستنكر ان يتطوع هؤلاء للترحيب بحكم السجن، ويتمنون المزيد من القسوة ضد الزميل في الوقت الذي يدافعون فيه عمن «تنطع» بشكل قميء في ترديد «لن نسمح لك»، بحجة انه صاحب رأي وشرف!!