في نهاية شهر مارس 2003، وبعد أيام قليلة من بداية الحرب التي أحب أن أسميها «تحرير العراق» ويطلق عليها «القومجية» اسم «غزو العراق» من قبل الولايات المتحدة الأميركية دخولاً من الأراضي الكويتية، وصلتني دعوة على العشاء من الأخ العزيز الشيخ «صباح جابر العلي» مدير عام الموانئ وذلك في قاعة صغيرة ملحقة بمكتبه بالميناء ، ذهبت في الموعد وكان من ضمن الحضور عدد من كبار جنرالات الجيش الأميركي فدار حوار قصير معهم قبل أن نهجم – جميعا – ضباطاً وصحافيين على «خروف محشي يستلقي فوق أرز على الطريقة الأردنية وفوقه بحر من اللبن المذاب من الإقط الكويتي القديم والحامض».. وهو ما يفضله الشيخ صباح جابر العلي له ولضيوفه !! كانت وسائل الإعلام الأميركية – وقتها – تتحدث عن «ضرورة مشاركة قوات تركية من المشاة على الأراضي العراقية»، ليس كقوات قتالية، بل «كشرطة لضبط الأمن وحوادث السير والمرور» عقب سقوط بغداد ونظام صدام حسين .. برمته! وقتها، كنا في بداية المعركة والقوات الأميركية تخوض أولى معاركها في جبهة الناصرية بينما القوات البريطانية تشتبك بضراوة مع قوات النخبة العراقية في جنوب البصرة وعلى الطريق المؤدي منها إلى.. الفاو!! قلت لأحد هؤلاء الجنرالات إن مسألة استعانة واشنطن بالجنود الأتراك تشبه استعانة واشنطن بجنود فيتناميين لتنظيم المرور وضبط الأمن داخل العاصمة واشنطن، فهل توافق على ذلك؟! انتفض الرجل وارتفع صوته بكلمة واحدة: «مستحيل»! فقلت له: إذن؟ إنها المشاعر ذاتها التي يكنها العراقيون للأتراك، لأن الماضي العثماني والملطخ بالدماء والموسوم بالخوازيق مازال حيا في أذهان كل عراقي من «زاخو» في أقصى الشمال وحتى «الفاو» في أقصى الجنوب !!
كتبت مرة مقالاً عن.. تركيا التي أضاعت هويتها، فلا هي مرغوبة في الاتحاد الأوروبي كعضو كامل العضوية بداخلها ولا هي مرحب بها في العالم العربي لماضيها الأسود معنا، ولا يريد العالم الإسلامي شم رائحة الشاورما القادمة منها كونه يراها كالأنثى في الإسلام: ناقصة عقل و…دين!! بعد النشر بأقل من ساعتين وصلتني رسالة طويلة و«بذيئة» من السفارة التركية ممهورة بالختم الرسمي وبدون اسم تفتقر لأبسط قواعد الردود الدبلوماسية التي توجهها السفارات في العالم كله لأي صحيفة.. محلية!! تركيا «الأردوغانية» – وهي في رحلة البحث عن هوية لها – توسلت إلى الاتحاد الأوروبي لسنوات حتى يقبلها عضواً ، لكن الإجابة كانت على الدوام هي..«لا»!!
«أردوغان» كان يتحرق شوقاً لتعليق خصمه «عبدالله أوجلان» زعيم حزب العمال الكردستاني على «عود مشنقة»، لكنه أجبر نفسه على نسيان ذلك الأمر حتى لا يخرق المعايير الأوروبية في منع أحكام الإعدام!! كانت تركيا في عهده ، مثل «المومس» التي هرمت وشاخت وصار كل شئ فيها نتناً، كشفت عن ساقيها لأوروبا لعلهم ينادونها، فبصقوا على حركتها! أخرجت أثداءها المترهلة للعالم الإسلامي ليقبلها، فجاءها الرد ذاته، كشفت عن مؤخرتها المتهالكة للعالم العربي لعل وعسى يتذكرون «تاريخها» معهم، فركلوها كما يركل «زيدان» كرة قادمة من أول.. الملعب!!
«تركيا» ليست ذكراً ولا أنثى! إنها أشبه بـ«الشيميل» أحيانا! و «الجنوس» أحياناً كثيرة ، وساعدها على ذلك، موقعها الجغرافي الذي نصفه في أوروبا ونصفه في.. آسيا!! إسرائيل أحيت حروف لغتها العبرية التي ماتت واندثرت من ألفي سنة، وتركيا طمست حروفها العربية وجاءت باللاتينية حتى تكتب بها لغة تجار الدين الجديد ، الذين يطلقون على أنفسهم اسم «الإخوان»!! لا أعول كثيراً على زيارة «الشيميل الأكبر» أفندي باشا للسعودية هذه الأيام ومحاولته الوصول إلى «تفاهم» مع الرئيس المصري وشعب مصر لأنه محكوم عليها بالفشل المسبق مصداقاً لقول أهل الجزيرة العربية الشهير والخالد وهو: «طالع وجه العنز..واحلب لبن»!! مثلما كان «قوزي» الشيخ صباح جابر العلي غارق في ذلك اللبن المعتق في تلك الليلة الجميلة مع الأيام الأولى «لتحرير العراق» فإن «أردوغان» وحزبه الدموي هو من أغرق – ويستمر في إغراق – المنطقة العربية بتلك الدماء الساخنة السورية والمصرية وحتى الأردنية متلذذاً ومشبعاً بها «نازيته» الإسلامية الجديدة!! صرنا بين «حجري رحى»: متحول تركي ، ومهووس إيراني!! «إنا أنزلناه قرآناً عربياً» صاروا يريدونه «اسطنبوليا وطهرانيا» بينما .. «خير أمة أخرجت للناس» تكورت وانكفأت على نفسها منتظرة أن ينطق الشجر والحجر!!