قبل بضعة أسابيع، كان الطقس الكويتي.. «لندنيًا»! أي ضباب خفيف مع رذاذ مطر أخف زائد لسعة هواء منعشة «منزوعة – البرد» وعلى وزن.. «منزوع – الدسم»، فقررت أن الوقت مناسب جدًا للسفر إلى البحرين – ليس بالطائرة – بل برًا وبالسيارة، ويستحسن أن تكون بها فتحه في السقف!!
حدث ذلك، وانطلقت في رحلة لم أتجهز لها – أغراضًا وتفكيرًا – إلا ما خف لبسه ودقائق من «مشاورة الذات»!! علاقتي بالبحرين الجميلة تمتد منذ أيام السفر باللنجات الخشبية من موانئ الدمام إلى حين ملامسة رمالها في رحلة تشبه – أيام زمان- رحلة طلبة المدارس من ميناء الكويت الواقع قرب قصر السيف الي جزيرة «فيلكا» عبر سفن من ذات الطراز، مع الفارق أنك حين تصل إلى وسط المنامة تغرق في كرم وضيافة شعب يعجز اللسان عن وصف طيبته وحلاوة لسانه وكرمه، بينما تتفاجأ بعد وصولك إلى.. «القرينيه» بوسط جزيرة «فيلكا»، بامرأة مخبولة تحرس كومة من الحجارة تقول عنها إنها ضريح «مولانا الخضر»، واسمها.. «صالحة البنيه» التي كانت قد بلغت من العمر أرذله ولم تسمع في حياتها باختراع عرفه العالم منذ ميلاد سيدنا المسيح وهو.. «الملابس الداخلية»! أول زيارة لي للبحرين – عبر اللنجات – كانت في بدايات السبعينات مع «الربع» واستغرقت أكثر من عشرين ساعة منذ لحظة مغادرة الحدود الكويتية حتي وصولنا إلى باب مطعم هندي بوسط المنامة يقلي السمبوسة بزيت.. الشاحنات!! ها أنذا الآن، أتحرك متجها إلى «الحبيبة القديمة» وبسيارة رياضية وذات محرك له هدير، وخلال ثلاث ساعات فقط كانت عجلاتها تلامس أول أسفلت جسر الملك فهد! وبعد أقل من نصف ساعة يبتسم في وجهي حامل الحقائب أمام المدخل الرئيسي لفندق «إنتركونتننتال – ريجينسي» لأبدأ إجازة سريعة لن تتجاوز 48 ساعة فقط!! في المساء، أعرف جيدا أين أعثر على «رفاق القلم»، إنهم هناك في مقهى يحتسي فيه القهوة والآيسكريم ثلاثة أرباع أهل البحرين، اسمه «ليلو»، في دقائق كنت هناك لألتقي بالزميل نقيب الصحافة البحرينية «مؤنس المردي» والزميل «عيسى عبدالرحمن الحمادي» – قبل أن يصبح وزيرًا للإعلام بأقل من 24 ساعة – تفاجأ بي الزميلان، وقال عيسى: «زيارة مفاجئة! ما السبب»؟ شرحت له حكاية الجو اللندني والرذاذ الخفيف وسيارة ذات سقف مفتوح، فضحك وقال: «هذه الرحلة بحاجة إلى مقال».. وها أنذا فعلت!! قال لي رجل أعمال بحريني كبير: «منازلنا – زمان – كلها كانت على البحر، الآن أصبحت في وسط العاصمة بسبب سياسة دفن البحر للحصول علي أرض جديدة»! الكويت – من حيث المساحة بالنسبة للبحرين – تعتبر «ولاية ألاسكا – الأميركية» أمام منطقة «مانهاتن» في نيويورك، ليس بها جبال ولا أنهار ولا وديان ولا مصادر طاقة تقليدية من نفط وغاز، لكنّ بها قلوبا تذوب حبا بكل ما هو.. إنساني!!
جارتها «إيران» – مقارنة بها من حيث المساحة – مثل حجم الشمس إذا قيست مع العاصمة الكويتية! جبال وأنهار ووديان ومساحة تصل إلى أكثر من مليون ونصف المليون كيلو متر، ثم أعلنت في سبتمبر عام 2011 أن .. «مساحتها زادت» -220 ألف كيلو متر مربع- قاصدين بذلك مساحة «الجزر الإماراتية المحتلة»، وكأن تواصل أطماعها في البحرين يهدف إلى.. «إكمال عملية بلع المزيد من الأرض» ووصول الرقم الإجمالي لمساحتها إلى «رقم صحيح» وهو «2 مليون كيلو متر»!! من يعتقد أن ملالي طهران «قلوبهم وأكبادهم مع شيعة العالم خوفا عليهم من الاضطهاد والظلم والعدوان» لا يرى أبعد من أنفه، فالرفيق «مسعود رجوي» وزوجته «مريم رجوي»، ومئات آلاف المقاتلين من أجل الحرية في منظمه مجاهدي خلق هم من.. «الشيعة»، ولكن مخيماتهم في العراق يقصفها «فرخ إيران الدايخ – نوري المالكي سابقا والحكومة الجديدة حاليا»!!
نصف أهل «الأحواز» هم من.. الشيعة، لكنهم يعيشون كالأرمن من أيام الدولة العثمانية فرأس «الشيعي – الأحوازي» لا يساوي «قشرة بصل»! ليس هذا فحسب، فالملايين الذين خرجوا في مظاهرات عام 2011 احتجاجا على تزوير انتخابات «نجاد» قمعوا بقسوة عسكر وبعث صدام حسين، لكن بعمائم ولحى ونظرية «الولي الفقيه»!
«ميرموسوي» و«مهدي كروبي» و «بني صدر» و«بازركان» وقائمة طويلة من الساسة «الشيعة» تعرضوا لظلم واضطهاد وقمع رهيب، وكأن ملالي الحكم الإيراني كانوا يلعنون «بني أمية» منذ ألف سنة حتى يتعلموا السير على نهجهم الإجرامي في مقارعة.. خصومهم!! تجولت في شوارع البحرين بسيارتي حتي أسترجع جمال رائحة هوائها عندما زرتها شابا بذلك «اللنج الخشبي» القديم قبل أكثر من 40 عامًا ثم رأيت آثار «عجلات محترقة»! كالعادة غررت الجمهورية الإسلامية بعقولهم، إنهم «شيعة وهي قالت إنها حاميتهم»، وكأن «الشيعي» الايراني حريته كالسويسري، وراتبه كالألماني، وصحته كالسويدي، وتعليمه… كالياباني!!
شباب بحريني لو استخدم ثلث عقله فقط وأداره باتجاه التشغيل، فسيعرف أنه يحرق أرضه وبلده ومستقبله من أجل شهوة سلطة تغلبت على كل الشهوات لدى ملالي وعمائم تؤكد كل كتب التراث الشيعي أن «الإمام المهدي» – عجل الله فرجه – سيخرج في آخر الزمان ويبدأ بتقطيع رؤوس هؤلاء الدجالين قبل أن يملأ الأرض عدلا بعد أن امتلأت.. جورًا ولحى من كل نوع ولون وشكل!!
بعد 48 ساعة غادرت المملكة الجميلة، وخلال 3 ساعات كنت أمام باب المنزل في «سلوى» في انتظار يوم «لندني» آخر ورذاذ مطر منعش و«هواء منعش منزوع – البرودة» .. وشوق ولهفة يشوبهما خوف وقلق على جميلة وصبية وفتية اسمها.. «البحرين»!!