هبوط حر لسعر برميل النفط الكويتي يثبت كما ذكرنا في مقالات سابقة أن الثروة التي نعيش عليها لا نتحكم في مدة وجودها وبقائها، ولا بارتفاع أسعارها أو هبوطه، ولا بمدى أهميتها واحتياج العالم إليها أو قلتها، ومع ذلك بددناها طيلة السنوات السابقة بمشاريع غير منجزة أو مبالغ في قيمتها، ومصاريف على قطاعات لتحقيق نتائج أفضل، فتكون النتائج أسوأ، ومكافآت نجاح لنجاح لا علاقة لنا به، وسرقات لا تتوقف ودون حساب. على أي حال فإن سعر البرميل يوشك أن يكشف هشاشة ما بُني طوال سنوات الثروة، فها هو الحديث عن الاقتراض ورفع الدعم وشد الأحزمة وتقليل المصروفات يطفو على الساحة، في إشارة واضحة إلى أن ما كان قائما طوال العقود الماضية أمر مخالف لما يفترض أن يسير عليه الاقتصاد فعلياً؛ دون التفكير بسياسة إشباع الناس على "سنع وغير سنع". ولكي لا نكتفي بالتذمر فلا بد من حلول فعلية توضع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فقد ذكرنا في مقال سابق ضرورة التوجه إلى التعليم حتى إن استلزم الأمر استيراد تجربة تعليمية ناجحة بالكامل وتطبيقها على الكويت من اليوم دون أي تأخير لتتمكن الأجيال القادمة من العيش في الكويت، وخلق موارد تمكن الدولة من الاستمرار إن أردنا البقاء فعلا. واليوم نقول إن ما يحدث من عجز مرتقب قد يعد فرصة حقيقية يصعب أن تتكرر في ترسيخ تحمل المسؤولية الفعلية من الجميع تجاه وطنهم، وأعني بهذا القول تفعيل المادة 48 من الدستور، التي تنص على أن "أداء الضرائب والتكاليف العامة واجب وفقا للقانون…"، وأنا هنا لا أتحدث عن جباية أموال من الدولة دون أن نعلم إلى أين تؤول، بل عن أداء الضرائب بشكلها المؤسسي الذي يفعل المحاسبة الحقيقية للدولة، فلن يتمكن حينها أحد من الحديث عما تقدمه الدولة للمواطن كالفضل أو المنّة، بل سيكون ما يقدم للمواطن هو حصيلة ما يقدمه المواطن فعليا للدولة، فالأمر أشبه بأن نقوم بدفع أموالنا لشركة تأمين السيارات مثلا، وحينها لا نقبل أن تتقاعس شركة التأمين عن تقديم خدماتها المدفوعة الأجر لنا، ومن هنا تتولد المسؤولية الفعلية. أنا على يقين بأن السلطة لا ترغب في تفعيل المادة 48 وتتمنى ألا تضطر لذلك أبدا؛ لأنها تعلم علم اليقين أن تفعيل تلك المادة سيجعل تخبطاتها المستمرة أمام مرأى ومحاسبة الجميع، ولن تكون المحاسبة مقتصرة على خمسين نائباً من السهل إرضاء كثير منهم بخدمات محدودة ووساطات هنا وهناك، بل سيكون الأمر تحت أنظار أكثر من مليون مواطن يقدمون جزءاً من أموالهم للدولة، ولن يرتضوا أن تضيع تلك الأموال بسهولة أو دون عقاب. تلك هي طبيعة الأشياء، فالأمر المجاني نسترخصه، وما ندفع له الأموال ننظر إليه بعين الحرص والاهتمام. نحن اليوم أمام واقع سيئ وانهيار مالي وشيك، وإعادة تأسيس الدولة عن طريق الإشراك الفعلي للمواطنين بالبناء والمحاسبة خطوة لابد منها لوضع الأمور في نصابها السليم.