لا شك ان مقال الأمس سبب الضيق للبعض وأسعد غيرهم. فالمسيحيون هم ملح المنطقة، شئنا أم ابينا. ولو نظرنا حولنا لرأينا أن أغلب الأشياء الجميلة تقريبا وراءها مسيحي، مع الاحترام لبقية الثقافات والخلفيات الدينية الأخرى. وعلى الرغم من إصرار الغالبية على عدم الاقتداء بهم في شيء أو تعلم فضائلهم، وهذا من حقهم، فإن من الغريب السعي فوق ذلك للتخلص منهم، والقضاء على كل جميل في حياتنا. فلدينا في الكويت، كما في بقية الخليج، مدرسون واطباء واكاديميون ومهندسون وفنيون ومصورون وبائعو زهور واصحاب بقالات، من جميع الطبقات والخلفيات الدينية، ومع هذا نميز المسيحي بينهم من طريقة تعامله، خيرا ام شرا، حسب قناعات كل واحد منا، وانا غالبا ما أرى الجانب الخير.
وعلى الرغم مما يدعيه بعض الدعاة عن حسن المعاملة، التي كان يلقاها المسيحي في بلاد المسلمين على مر العصور، فإن تلك المعاملة المميزة اقتصرت على فترات كان فيها الخليفة الأموي او العباسي متسامحاً، ولم تكن يوما قاعدة عامة، والدليل أن نفس الدعاة يعودون ويناقضون انفسهم في مناسبات اخرى بالدعوة الى رفض التطبيع مع الآخر، المشرك او الكافر، لكي لا نتأثر به!
إن المسيحي لم يأت الينا، بل كان هنا وسيبقى. كما أن وجوده في دول الخليج جاء برضا وامتنان منا، وإخراجه من بلادنا عنوة سوف يأتي بالخسارة علينا، فمن الغباء أن يكون بيننا لما يمتاز به، ونقوم في الوقت نفسه بالتضييق عليه، وتهديده بالطرد أو بالقتل. فعمليات الاغتيال التي تعرض لها مؤخرا مسيحيون في عواصم خليجية، والاستهانة الواضحة في ردود الفعل الرسمية والشعبية، وإظهار تلك الأفعال وكأنها جرائم عادية، بخلاف القبض على مرتكبيها، أمر خطير حقا!
لقد كانت أعداد المسيحيين أيام العثمانيين ضعفها اليوم، (17 مليوناً). وسبب هذا التناقص المريع يعود الى تحول البعض منهم الى الإسلام، زواجاً أو مصلحة مادية، والأهم من كل ذلك لما تعرضوا له من اضطهاد ومذابح على ايدي الأتراك والعرب والأكراد، وبالتالي كانت الهجرة سبيلهم للخلاص، بحيث اصبحت أعدادهم في العراق وفلسطين ولبنان وسوريا في المهجر اكثر منهم في سابق اوطانهم بكثير. وهنا لم نكتف على مدى 400 عام برفض كل جميل، بل دفعنا الجميل منا لتركنا. والمسرحية لا تزال تتكرر في زاوية كل دولة عربية مشتعلة أو خامدة. والمؤسف أننا لن نعرف قيمة وفضل هؤلاء إلا بعد فقدهم تماما.
أحمد الصراف