بالأمس كانت ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تتذكره الدول والشعوب الواعية، أما في مثل دولنا فهو مجرد يوم عادي من الأيام، "وترف" سياسي لا معنى له في مزاعم خصوصيتنا العربية الإسلامية، كما تتنطع بهذا أنظمتنا الحاكمة التي اهتزت قليلا بالربيع العربي، ثم عادت بأقوى مما كانت وبانتهاكات أشد لحقوق الإنسان باستثناء تونس الرائعة.
من صدف الذكرى أنه في مكان ولادة الإعلان بالولايات المتحدة، والذي خرج للدنيا بجهد كبير لأرملة الرئيس فرانكلين روزفلت بعد ولادة الأمم المتحدة، أن تحدث الآن زوبعة كبيرة على تقرير لجنة الكونغرس الأميركي لعمل "سي آي إيه"، وانتهاكات الأخيرة حقوق الإنسان في تعذيب المتهمين بقضايا الإرهاب بواسطة "ووتر بورد"، أي بخلق شعور الغرق عند المتهم المستجوب، ولأن لديهم صحافة حرة ولجاناً نيابية تعمل وتكترث للإنسان، وليس مثل معظم لجان مجلسنا التي لا تحترم ولا تلتزم بجداول أعمالها ولا يحضر الأعضاء اجتماعاتها، هناك عاصفة رهيبة في مسائل الشفافية حول عمل أجهزة الأمن الأميركية، ومحاسبة مستحقة من الواعين، مفادها أنه لا يجوز خرق معايير حقوق الإنسان، بحجة ضرورات الأمن القومي والمصلحة العليا للدولة.
وأيا تكن نتائج التحقيق في أعمال المخابرات الأميركية، فالقضية لا تصلح لتعيير انحرافات الإدارة الأميركية بذلك، وتشمت الكثير من المزايدين الانتهازيين عندنا بأوضاع حقوق الإنسان هناك، فنقد مسلك وجرائم السيد الأميركي يصح أن يصدر من دول وجماعات تحترم حقوق الإنسان على أرضها بداية، وليست دولنا منها، فلا هي الدنمارك أو السويد في معايير حقوق الإنسان، وليست محاكمها تحاكي محكمة حقوق الإنسان الأوروبية.
لمثل هؤلاء الشامتين يمكن أن نقول لهم تحسسوا الجرار الضخمة (وليس البطحة الصغيرة) التي على رؤوسكم قبل نقد الآخرين، تحسسوا، مثلاً، جرة سحب الجناسي عن مواطنين لا لسبب غير مواقفهم المعارضة للسلطة، تحسسوا جرة المحاكمات والملاحقات لأصحاب الرأي من المغردين حين قبع بعضهم أياماً وليالي في السجن لكلمات عابرة، تحسسوا الأكياس الثقيلة فوق رؤوسكم حين أودع في السجون عدد من الشباب الذين خرجوا في تجمعات سلمية يطالبون بوضع حد للفساد، ولمجلس حامل الأختام الحكومية، تحسسوا الأكياس الثقيلة حين حرم أطفال البدون من الدراسة بحجة عدم تقديم شهادات الميلاد، رغم توافر بلاغات الولادة… تحسسوا أوضاع ومعاناة البدون، تحسسوا مشاريع القوانين من حكومة "لا تجزع إحنا بخير"، ومجلس البصامين كمشروع الرقابة على الإنترنت، وخياطة أفواه شباب الجامعات من حق التعبير عن آرائهم السياسية.
تحسسوا كل ما سلف وأكثر من ذلك في بلد المركز الإنساني… قبل أن تحاضروننا عن أوضاع حقوق الإنسان بدول الغير… اصمتوا رحم الله والديكم… فقد شبعنا رياء.