إذا لم تكن مريضاً فستمرض، حتماً، في الطريق إذا كنت ذاهباً لزيارة مريض في منطقة الصباح الطبية، وهذا ما حدث لي يوم الخميس الماضي حين زرت مع ابن عمي قريباً مصاباً في حادث سيارة في مستشفى الرازي للعظام، تهنا في الطريق، أعتقد أنه كان شارع جمال عبدالناصر، لم يكن شارعاً تحت التصليح، وإنما كان تعرجات بشكل مسار حلزوني تتخلله مطبات وحفر أسفلتية، ومن دون لوحات إرشادية تسبب دوخاناً وشعوراً بالاستفراغ من الطريق ومن الفكر الذي يدير بلد هذا الطريق المجهول. قضينا أكثر من ساعة نحاول البحث عن المستشفى، وثقنا بـ«الهقوة» للاستدلال على المكان، و»الهقوة» تعني التخمين بلهجتنا العامية، كأن تقول مثلاً «تهقه» ماذا سيكون مصير الدولة إذا استمرت حالة انخفاض برميل النفط… والإجابة المعروفة أن نترك الأمور على بركة المصادفة، وهو النهج الذي تسير عليه العقلية الحاكمة منذ عقود، بأن تترك الأحداث تقودها، مقتدية بحكمة تواكلية مفادها «اللي مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين»… فماذا تشوف العين الكويتية للغد غير الكسافة؟
ظل رفيق درب الأفعى الحلزوني عادل السلطان «يتحلطم» (يشكو) من ناحية، ويقارن حالنا بدبي من ناحية أخرى، فهو يقول إنه لو كان مثل هذا المشروع لبناء جسور خط سريع في دبي لوجدت هناك خلية نحل تعمل ليلاً ونهاراً لإنجازه في زمن قياسي، لكن انظر لعدد العمال الذين نراهم يعملون الآن هنا… كم عددهم،، عشرة أو خمسة عشر عاملاً… على ذلك بعد كم قرناً سينتهي هذا المشروع وغيره من المشاريع المنسية؟ وأين جواب وزير الأشغال عن موضوع طرح في جريدة «الوطن» قبل فترة، حول أسباب تعطل المشاريع الحكومية؟ كما كشفت عنها هيئة القوى العاملة «… أن أعداد العمالة المسجلة على تلك الشركات كبيرة، إلا أن الموجودين منهم قلة. فكيف يمكن لشركة أن تنجز المشروع المكلفة به، والذي يتطلب 523 عاملاً بحسب تقديرات الشركة، وتم منحها فعلاً تصريحات عمل لهذا العدد من العمالة، بينما من يعمل في المشروع 24 عاملاً فقط؟»…، ويقفز عادل متسائلاً بسخرية: ماذا تعرف عن استاد جابر؟ أين هي المشكلة؟ أين الخطأ؟ ماذا قالت الحكومة عنه؟ هل نسيته أم نحن نسينا؟ ماذا و«ماذات» كثيرة دون حصر لكل هذا الكم من الرثاثة واللامبالاة في الدولة، من مرور إلى تعليم، إلى خدمة طبية… ويضيف عادل أنه عندما كان سعر البرميل مئة وعشرين دولاراً مثلاً، كانت الحالة العامة مزرية، فماذا يكون وضعنا اليوم مع سعر الستين دولاراً للبرميل… «اقبض مشاريع وإدارة من دبش»…!
فكرت أنه في الماضي كانت السلطة تعلق جرس التأخير والعطالة على رقبة النواب المعارضين، وكانت تقول لنا ضمناً إنه لا توجد برلمانات مزعجة عند أشقائنا الخلجيين…! والآن تغير الوضع… المجلس في جيب الحكومة تقريباً… فما هو عذر السلطة؟!
وصلنا إلى مستشفى الرازي في النهاية، كان المستشفى الرث عبارة عن ورشة ضوضاء مزعجة لتصليحات لا تنتهي، هي تعمل لراحة المرضى المكسرة أطرافهم في حرب الشوارع… وحرب الشوارع اسم فيلم في الثمانينيات للمخرج المبدع عبدالمحسن حيات… لا أعلم لماذا توقفت إبداعاته…؟ ربما وجد التقدير الأكثر من مناسب من بخصاء الإدارة الكويتية… وليس هذا جديداً علينا في زمن «أم أحمد العجافة»، وهو زمن الذين يتم تقديرهم وتبجيلهم، ويصلون إلى المراكز العليا في ديرة «حاضر طال عمرك».
شاهدت ابن أخي نايف المصاب متمدداً على السرير، والضمادات تلف كل مكان من جسده العليل، بحثت عن سرير بقربه ألقي نفسي عليه بعد إعياء درب المرض الكويتي… متى نشفى منه…؟ ومتى تشفى هذه الدولة من أمراض الفساد وسوء الإدارة… الديرة «دمرت» يا سادة.