تعاني المجتمعات المسيحية، وخصوصا في أوروبا وأميركا، منذ فترة من عزوف الرجال عن العمل فيها كقساوسة وكهنة، أو في الأعمال المساعدة. كما تتعرض الكنيسة لضغوط المنظمات النسائية والجهات المؤيدة لها، لإعطاء المرأة دورا كهنوتيا مماثلا للرجل، وهو ما يخالف النص الديني. وقد قامت الكثير من الكنائس، بمبادرة منها، بالسماح للمرأة بتولي كل الوظائف الكنسية من دون انتظار موافقة الجهات الأعلى، ومنها كنائس أنجليكانية، التي قامت في سبعينات القرن الماضي بالسماح للنساء بأن يصبحن كهنة وشمامسة وحتى أساقفة. وقد أدى ذلك في حينه لاعتراض بقية الكنائس المحافظة على ذلك، وهذا ما دفع «سينود» كنيسة إنكلترا، وهي الجهة المختصة بالأمور القانونية لكنيسة مؤثرة، لأخذ موقف من الاختلاف، والموافقة رسميا، واعتبارا من العام المقبل، على أحقية تولي المرأة العمل الكنسي. وقد بيّن قرار السنودس قدرة الكنيسة المسيحية، ولأي جهة انتمت، على التأقلم مع الزمن والأحداث، علما بان كنائس أخرى قامت بما يماثل ذلك، والتخلي عن أمور من صميم العقيدة، وذلك من أجل الاستمرار في البقاء، والاستمرار في جلب الاتباع.
ما نود قوله هنا ان التغيير اصبح مستحقا وحتميا، والجمود قاتلا، والأفكار والمعتقدات ليست استثناء، فإن لم نتأقلم ولم نتغير فستطحننا آلة الحضارة وتجعلنا كعصف مأكول مذموم، ونستمر في الزحف في ذيل قائمة الأمم. فكل من قاوم التغيير وأصر على رأيه وسابق مواقفه كان الفشل رفيقه، فهناك شركات كبرى، تلفظ آخر أنفاسها، بعد أن رفضت التغيير، فما كان صالحا بالأمس قد لا يكون مقبولا اليوم. وحتى الذين يقاومون التغيير بحجة أو بأخرى، لو نظروا الى حياتهم وطريقة معيشتهم وتصرفاتهم لوجدوا أنهم تغيروا بشكل جذري حتى في آرائهم ومواقفهم من كل شيء تقريبا.
وبالتالي من الضروري مراجعة قضايا معطلة، كضرورة إعادة النظر في الحق الذي «يتمتع» به الرجل في غالبية الدول الإسلامية في الزواج والطلاق من أي عدد شاء واشتهى من النساء! فهذا «الحق» يحتاج لأن يكون مقيدا، كما سبق ان فعلت تونس وقبلها تركيا! وبالتالي لم يكن غريبا تصدي مصلحين كبار، من أمثال مصطفى كمال والحبيب بورقيبة وغيرهما، للموضوع ومنع تعدد الزوجات. كما قامت دول أخرى بتقييد حق الزواج بثانية باشتراط موافقة الأولى. وتحاول اليوم جهات من أمثال «أنصار الشريعة» السلفية، في تونس، الدفع بإباحة تعدد الزوجات فيها، والقضاء على المكتسبات التاريخية للمرأة. كما أثار مشروع، طرح قبل سنوات قليلة، لتعديل قانون الأحوال الشخصية في مصر، يتضمن تقييد تعدد الزوجات، جدلا ساخنا بين الفقهاء والقانونيين، كما أيد مشروع القانون حينها عدد لا بأس به من رجال الأزهر الكبار، بحجة أن ليس هناك ما يسمى بتعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية أصلا، إنما التعدد الذي أباحته الشريعة هو تعدد في أمهات اليتامى فقط. ويذكر أن قانون الأحوال الشخصية المصري الحالي يعود لعام 1920 ولم تطرأ عليه، على مدى مئة عام تقريبا، غير تعديلات طفيفة جدا.
هذا ليس مقالا لنقد وضع معين والمطالبة بتغييره، بقدر ما هو نداء لتشغيل العقل والحث على التساؤل.
أحمد الصراف