في لقاء مع رئيس وزراء أردني سابق، قال إن في عقل كل مسلم هناك «داعش» صغير، وهو هنا يتكلم بالطبع عن نفسه ومن يعرف، ولكنه لم يفتر، فكلامه صحيح، والدليل على ذلك أن كل ما اقترفه تنظيم «الدولة الإسلامية» في قرى ومدن سوريا والعراق من جرائم رهيبة وافعال وحشية لم يعرف التاريخ الحديث مثيلا لها، لم نجد لها ما يقابلها من استنكار قوي واشمئزاز، او حتى إدانة من غالبية مسلمي العالم، بل سيزيد تأييد هؤلاء لهم مع الوقت ومع كل نصر يحققه التنظيم. كما نجد في الوقت نفسه أن الشريحة الأكثر تأثيرا في هذا المجال، وهم رجال الدين في الشرق والغرب، ولأي مذهب انتموا، كانوا الأكثر صمتا تجاه افعال داعش، وليس أدل على ذلك الموقف المائع لحكومة رجال الدين في إيران ودول «دينية تقليدية» أخرى من داعش وافعاله.
ومن جانب آخر، يقول الزميل العراقي قاسم صالح إن شعوب المجتمعات التي يحكمها دكتاتور عادة ما تنقسم لثلاث فئات فيما يتعلق بتعاملهم مع النظام: أولئك الذين يعتبرون السلطة شريرة، ويفضلون الابتعاد عنها. وهناك من يعارضها ويسعى للإطاحة بها، وهناك أخيرا فئة المنافقين الذين يظهرون للسلطة عكس ما يخفون، يتوددون لها طمعا في سلطة أو مال أو جاه، أو دفعا لشرّ يتوقعونه. ومن هذا الفريق ظهر اشخاص طمعوا في المناصب والثروات، واتقنوا لعبة النفاق بجعل الدكتاتور شخصية كارزمية استثنائية، وأخطر هؤلاء يعتبرون المنافقين الصحافيين وأصحاب القنوات الفضائية والاذاعية والممثلين. كما كان الشعراء وكتاب الروايات الأكثر نفاقا وتأثيرا في مجتمعاتهم. ولكن جميع هؤلاء عادة ما تتغير مواقفهم مع موت الدكتاتور، وهذا ما نجده في العالم أجمع، ولكن لسبب يتعلق بالتربية والتنشئة في مجتمعاتنا، فإن السواد الأعظم من المسلمين، والعرب بالذات، يستمر هيامهم بالدكتاتور حتى بعد موته. وليس غريبا بالتالي ما نراه من توق الكثيرين لإعادة إحياء نظام الخلافة، والاعتقاد بأن خلاص المسلمين يكمن في بعثها، غير مدركين ما سيشكله وجودها من كارثة سياسية ما بعدها كارثة إن تحققت!
وبالتالي ليس الامرغريبا ان نجد، وبخاصة ممن يدعون علو كعبهم في الفن والشعر والثقافة والسياسة، انهم في غالبيتهم لا يزالون على ولههم بجذام صدام، وان عفن «دكتاتوريته» لا يزال يعشش في فجوات عقولهم، وبالتالي هناك صدام صغير، يزاحم الداعشي الصغير في عقل كل عربي تقريبا.
أحمد الصراف