من باب الطرافة، كنا نرى ونحن صغاراً، الكثير من آبائنا يرتدون الوزار (الإزار) وربما المنشفة (الفوطة) في بعض الأحيان، وقتما يقضون مشواراً بسيطاً كإيصال العيال إلى المدارس أو الذهاب إلى الخباز أو «دكان السمبوسة» القريب. لكن هذه المشاهد بدأت تتلاشى في المجتمع، فلا أحد يرغب في أن يظهر أمام الناس في تلك الصورة غير اللائقة… لكن العمال الوافدين يفعلون.
بلغ الأمر إلى أن أحد الجيران تعرض، بسبب استمرار ارتدائه لذلك الإزار في (الرايحة والياية)، للكثير من الاتهامات والقيل والقال. فمن قائل أنه سكران (وما عنده حواس علشان جديه يطلع بـ «وزاره»)، ومن قائل أنه (أسود وجه لابد من تأديبه وإيقافه عند حده)، ومن زاد وقال: «لو يخاف على عرضه ويستحي على وجهه لما ذهب وأتى بهذا الـ «وزار»! ولا أدري إن كان التلفزيون والإذاعة وبعض الخطباء هاجموه أم لا، لكن كل ما أعرفه أن الرجل يتعرض للإتهامات بلا دليل.
في بلادنا، حالنا حال الكثير من الدول العربية والإسلامية والصديقة والعدوة، والنامية والنائمة، تصبح المعارضة في أكبر خانات الخيانة.
وبالتالي، فهي ترتكب جريمة عظمى! ولابد من ملاحقتها بهذا الوصف –أي الخونة… المعارضة المجرمة- من خلال بعض كتاب الصحف المعدودين، وعبر وسائل الإعلام الإلكتروني التي لا عد لها، ومن خلال خطب بعض الخطباء، لكن أبداً، لا يمكن ملاحقتها قضائياً! فأعجب العجب، أن تتكدس الاتهامات تلو الاتهامات على المعارضة البحرينية بتهم جبارة، ويتغنى كتاب الصحف ومن لف لفهم بتلك الاتهامات، فيترسخ الاتهام بأنها فعلاً مجرمة، لكن لا دليل على إجرامها!
لنكن صريحين، هناك حالة من الصدام السياسي العنيف بين الحكومة والمعارضة ممثلة في جمعية الوفاق وحليفاتها من الجمعيات، وهذا الصدام لم ينشأ بعد 14 فبراير 2011، بل أبعد وأبعد من ذلك، فالمعارضة تعتبر دورها الوطني امتداداً لحركات النضال منذ عشرينيات القرن الماضي، والحكومة تعتبرها عدواً لدوداً يتآمر مع الخارج وينفذ أجندات خارجية. وبين هذا وذاك، أفرزت الانتخابات الأخيرة المزيد من الاحتقان ليدخل ذلك الصدام مرحلة جديدة نتمنى ألا تكون شديدة على الجانبين، وإلا فإن كل المؤشرات والظروف الإقليمية المحيطة تؤكّد على أن الخروج من الأزمة السياسية يتطلب تفهماً حقيقياً لمنشأ وأسباب ودوافع الأزمة وكيفية وضع الحلول لها، وإن كان لابد… فإن كلمة «حوار» المملة المثيرة للإحباط، يلزم أن توضع في نصابها الصحيح.
ولعلني أتساءل كما يتساءل الكثير من المواطنين الذين أصابتهم الحيرة بسبب استمرار التأزيم: «هل يمكن التحاور مع المعارضة (الموصوفة مسبقاً بأنها مجرمة)؟ وإذا كانت السلطة تريد الخروج من الأزمة وفق منظور لا يقوم على التمييز والطائفية والاستهداف والاتهامات الممجوجة الفارغة لمكون رئيس في البلد بانتمائه إلى إيران وغير إيران، فهل تملك القدرة التامة لتجاوز مفرزات السنوات الماضية؟ وهل لديها القابلية لإخراس الإعلام المؤجج والكتاب (هواتف العملة) وإنتاج إعلام وطني؟ هل أجهزة الدولة التي لايزال تتصدرها الرؤوس المعروفة بالطائفية والتمييز والتمصلح ستبقى مكانها؟ هل يمكن أن تدخل الممارسة الديمقراطية مساراً حقيقياً يقوم على تمثيل الشعب كمصدر للسلطات؟
حسناً، من محور «العدالة والمساواة بين البحرينيين دون تمييز»، تحدث الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان لصحيفة «القبس» الكويتية يوم الأحد (23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014)، ومن بين ما تناوله الحديث الصحافي أن «أبواب المعارضة دائماً مفتوحة لإيجاد حل توافقي مع الحكومة ينقلها من حالة الاستفراد التي تعيشها في الوقت الحالي من خلال تحكم طرف واحد في إدارة شئون البلد وتهميش بقية الشعب»، وأن القوى المعارضة ستبقى منفتحة على أية محاولات حقيقية لإيجاد توافق سياسي مع الحكومة.
وفي اليوم ذاته، والصحيفة ذاتها، تحدثت وزيرة شئون الإعلام والمتحدث الرسمي باسم الحكومة سميرة رجب في حديث قصير أيضاً، عن أن «أبواب الحوار مستمرة مع المعارضة ومازالت مفتوحة، وأن الجهود كانت متواصلة على مدى أربع سنوات، بهدف الوصول إلى تصالحات مع المعارضة. وإذا كان هناك حوار، فليكن توافقياً، وأن نتفق ونتوافق على مطالبنا معاً». (انتهى الاقتباس).
بالطبع، لا أدري إن كانت مفردة «المعارضة» المذكورة أعلاه تعني (المعارضة البحرينية وهي الوفاق والجمعيات الوطنية الخمس)، وإذا كانت كذلك؟ فما العمل مع الاتهامات التي جعلت من المعارضة الوطنية مجرماً عتيداً متآمراً خائناً على لسان صحف وكتاب ووسائل تواصل ومواقع الكترونية؟ ولماذا التحاور مع طرف مجرم أصلاً؟
ووسط كل ذلك، ليس أمام السلطة والمعارضة إلا منهج الحوار على أن يكون حقيقياً ليكون قادراً على إخراج البلد من أزمتها، وليس لتقطيع الوقت والضحك على الذقون، فلسنا في مرحلة تحتاج إلى الأهازيج والأغاني الوطنية وخطاب الفتنة والطائفية… ولا نحتاج إطلاقاً لاستمرار تهريج المتاجرين بالوطن.