الناس اللي فوق، أي الطبقة السياسية التي تدير الدولة، كيف تفكر الآن مع أزمة الاقتصاد والعجز الحتمي للميزانية، مفهوم الطبقة هنا المقصود به الشرائح العليا من أهل الحكم والدائرون في حلقات ذكرهم، يعني زبائن الحكم بتحالفاتهم وصراعاتهم مع هذا الشيخ أو ذاك، كيف يرون الأمور الآن؟! الكعكة الكويتية، صغرت، يجوز أنها انكمشت واقعاً، لكنهم قد لا يرونها مثلنا، قد توسوس لهم نفوسهم بترك "القرعة ترعى" والاكتفاء بما غنموا في الماضي، وهم في أمان نفسي مستقر بفضل الأرصدة المتخمة في الخارج، وليسوا مثلنا قلقين على واقعنا المر ومستقبل أطفالنا، أو ربما يفكرون بجشع ويعملون لتقسيم باقي "الماجلة" الكويتية، الماجلة هنا بمعنى المساهمة المالية والعينية في المخيمات، التي تقسم بين أهل المخيم الكويتي بعد انتهاء فترة التخييم.
صراع على السلطة، وليس خلافاً كما يروج السلطويون إعلامياً، أين سينتهي؟ وكأن الدولة قطعة أرض خاصة بهم، توفي صاحبها ويتنازع عليها ورثته، لا يصح أن ننشغل بهذا الصراع، ويتم، بالتالي، تغييب وعينا بحاضر الكارثة المالية في الدولة، فقد اعتدنا أن نراقب هذه الصراعات بين الأقطاب، لا مباشرة، بل عبر أطروحات من يمثلها في المجلس أو في الإعلام، وفي الأخير، أي في إعلامنا الخاص هناك دائماً بشر مستعدون للعمل في وظيفة "المشاحاة" (ربما لها أصل لها بكلمة مُشاحَّة العربية أي المماحكة)، ومن كان يوماً ما في الماضي قطباً محل شبهات فساد أصبح الآن بطلاً يتحدث عن المال العام والوطنية عبر "مندوبه" الإعلامي الذي يشاحّ به.
المفروض ألا يشغلنا هؤلاء أو وكلاؤهم بمسرحيات التشهير والغمز واللمز، ولا نضيع بطوشة صراعات "معازيبهم" من الأقطاب، فالآن، الهم الكبير للمخلصين في الوطن، وهم كثيرون، رغم قمع أصواتهم وتهميشهم من السلطة، يجب أن ينحصر في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والنظر إلى المستقبل، فلا يكفي الضرب على وتر الفساد المالي والإداري الضارب في أعمق أعماق جذور الدولة، ولا يكفي، من ناحية أخرى، ترديد مقولة "الشق عود"، وبالتالي ننعزل عن المشاركة في الشأن السياسي العام عبر الحوار المفترض مع السلطة وفتح آفاق إصلاح ما يمكن إصلاحه اليوم، فمثل ظرفنا الحالي يلزمهم بالمشاركة، أياً كان حكم المحكمة الدستورية في دعوى الزميل صلاح الهاشم.
البقاء خارج المشاركة، مهما تصورنا أن مثل تلك المشاركة السياسية قد "تشرع" للوضع الخطأ، وأن أصوات المعارضين ستكون "ضايعة" مع "خبيصة" جماعات السلطة، لم يعد مجدياً، فقد جرب المعارضون الابتعاد عن المشاركة في الفترة الماضية، وتحريك الشارع السياسي، إلا أن قبضة السلطة كانت قاسية بالقمع، وبسحب الجناسي المخجل لشرعية الدولة، وردود الفعل الشبابية تكاد تنحصر اليوم في "التغريدات التويترية"، والتي هي الأخرى أضحت موضوعاً للملاحقة القمعية… فما العمل؟ الوضع السياسي- الاقتصادي لم يعد يتحمل إقصاء أحد… فماذا ينتظر المخلصون!