هل يمكن أن يصدم الدوّار (راوندبوت يعني) سيارةً بسائقها؟ هكذا رد السائق اللطيف الظريف الذي استقرت سيارته وسط دوار صغير في منطقة الجفير عندما سأله رجل المرور: «ألهذه الدرجة أنت لا تستطيع رؤية الطريق؟»، فأجاب بالقول: «إي. إمبله. أنا أشوف بس الدوار طلع لي؟».
ذلك السائق خانه التعبير، وشرطي المرور تفهم موقفه والتقط معنى عبارته. كان يريد أن يقول بأنه لم يكن منتبهاً في سياقته فتفاجأ بالدوار أمامه! على ذات الوتيرة، تأتي الإدانات الطائفية القسرية على الكثير من الحوادث في المجتمع الخليجي، ما ينبئ عن أن ذات السائق وذات الدوار يظهران لنا بشكل متعدد الأوجه. في حادثة الاحساء الأليمة ، سمعنا مثل هكذا كلام بعد مجزرة الدالوة، ففي الوقت الذي توافد فيه الناس، سنة وشيعة، من المملكة العربية السعودية ومن سائر دول مجلس التعاون الخليجي للقيام بواجب العزاء، ظهرت بعض الأصوات القبيحة التي (عن زعم) تجرح وتداوي!
ألم نسمع مثلاً خطيباً أو إعلامياً أو ناشطاً أو.. آلاف المغردين يسيرون في ذات النهج الأعوج: «نعم.. حادثة الاحساء لا نرضاها ولا نرضى على أهلنا (الشيعة)، لكن الفضائيات الشيعية هي السبب»! فهل يعقل أن يتعرض مواطن شيعي للموت بإطلاق ناري وهو يسير في طريقه ليقول القاتل: «إنهم يشتمون الصحابة في الفضائيات؟»، وهل يعقل أن يتم الهجوم على حسينية بأسلحة نارية أو يحاول أحدهم اقتحام حسينية بسيارته ثم يقول: «لأن الشيعة يدعمون بشار الأسد.. ويقتلون أهل السنة.. ما هم بأمة أحمد لا والذي خلق السماء»!
والأشد من ذلك، تجد أن هناك صمتاً مطبقاً من الأجهزة الحكومية الخليجية المعنية بالإعلام والشئون الإسلامية والأوقاف، ولدينا مثال واضح، ألا وهو المرشح الحالي والنائب السابق جاسم السعيدي.
السعيدي لم يتعدّ مرةً أو مرتين أو ثلاثاً، بل هو في الواقع لا يستطيع أن يقول في اتهامه مفردة (الشيعة) مباشرة، لذلك يستعيض عنها بكلمات ومفردات وأوصاف من قبيل: «أهل الدوار، المجوس، الرافضة، الخونة»، بل واستخدم ذات مرة كلمة لو قالها نائب في أي دولة تحترم شعبها لتم تقديمه إلى المحاكمة. فكلمة «نغول» لا يمكن أن يقولها إنسان محترم ليتهم مكوناً رئيساً في أي مجتمع، إلا أن يكون ذلك الشخص مريضاً نفسياً، ومتشبعاً بالطائفية، ويمتلك نزعة بهيمية لا علاقة لها بالإنسانية ولا بالإسلام. فالدين الإسلامي، ليس دين تلويح بالسيوف في حفلة زار سيئة باسم الدين.
هل تعرض للمساءلة والمحاسبة؟ أبداً. هل شعر أولئك الذين يملأون الصحف والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي بروابط تصريحاتهم الرنانة عن الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي وحقوق المواطن وواجباته والبيت الواحد… هل شعر واحد منهم بأن هذه القائمة من الشتائم هي شكل من أشكال تدمير المجتمع؟ أبداً. يقولون هذا الكلام دراً للرماد في العيون وفي حدود ضيقة، لكن كإجراء، بالعكس، يلقى الشكر والثناء والتقدير والمكافأة على جهده.
ومع الخلاف الدائر في المجتمع البحريني في مسارين: مسار يمثل المعارضة وآخر يمثل الموالاة. في الأول تأتي مظلة المواطن الشيعي وفي الثاني تأتي مظلة المواطن السني، ومع بروز أشكال من الهجوم والتأجيج والإعلام الطائفي خلال السنوات الأربع الماضية، إلا أن كل المبادرات التي تبرز في ظروف قاسية وبإمكانيات محدودة، توأد في مهدها وكأن هناك من يريد للطائفية أن تبقى وتستمر وتحصل على الدعم والتغطية والمكافأة، وأن القانون لا يطبق علينا وعليكم، وهذه أمور في غاية الخطورة يجب أن تضعها السلطة في اعتبارها. يجب أن تستمع للصادقين والمخلصين والأمينين من أبناء البحرين وليس للشتامين والمنافقين والطائفيين والمؤجّجين للفتن.
ماذا عن القانون؟ تطبيق القانون في مواجهة الشتيمة الشنيعة للشيعة يمثل هو الآخر مزاجية تعطي حصناً منيعاً للمتجاوزين. ومن تجربة شخصية، قبل ثلاث سنوات، تقدّمنا بشكوى ضد أحد الطائفيين المشهورين لتجاوزاته وتأجيجه، حتى الآن لم يتم فتح ملف الشكوى، فهل هذا الأمر يسند اللحمة الوطنية وإعادة ترتيب البيت البحريني وتثبيت ميزان الحقوق والواجبات؟
قانون العقوبات في مادته رقم (172) يقول: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبالغرامة التي لا تجاوز مئتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من حرّض بطريق من طرق العلانية على بغض طائفة من الناس أو على الازدراء بها، إذا كان من شأن هذا التحريض اضطراب السلم العام»، والمادة (309) تنص على: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة التي لا تجاوز مئة دينار من تعدى بإحدى طرق العلانية على إحدى الملل المعترف بها أو حقّر من شعائرها».
ولا أدري كيف يرضى البعض أن يقبل بالتبريرات المقابلة السخيفة، لأن عصائب في العراق أو لبنان أو أحزاباً في هذه البقعة أو تلك أو هذه الفضائية أو ذلك الخطيب يشتم ويحرّض على أهل السنة فيتوجب قتل الشيعة في أي مكان؟ الحق، إن كان لديكم قوة ورجولة، واجهوا من يفعل. حين تقتل عصائب مسلحة كما تدّعون أهل السنة في مكان ما في العالم، إذهبوا بشنباتكم ورجولتكم إليهم وقاتلوهم؟ وإذا قلتم بأن الخطيب الفلاني أو الفضائية الفلانية تشتم، دونكم القانون. ارفعوا عليها الدعاوى القانونية حتى تغلقوها. أما نظرية «أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامة» فهذه من صنيعة وضعكم البائس.
على فكرة، أنت مواطن صالح طيب مؤمن مخلص لوطنك حين تتعرض للانتهاك والهجوم على معتقدك و(تنطم وتسكت)! وتكون خائناً، خطيراً، متآمراً مع الخارج، طائفياً، (ولد متعة)، كافراً.. إن دافعت عن كيانك ووجودك ومعتقداتك وحتى حقوقك الأساسية التي يتمتع بها بقية البشر!