من النادر تكرار الأحداث السياسية بالتفاصيل والنتائج نفسها، ولكننا نحن العرب نتميز عن العالم بذلك، نحن لا نعيد الاحداث فقط، بل نعيد معها المعالجات الخاطئة نفسها.
فمن المقاربات السياسية العربية الحالية التي تدل على صدق ذلك، مقاربة الحالة اليمنية الراهنة للوضع السياسي في لبنان، حيث سنشاهد الأحداث نفسها والأشخاص أنفسهم وسنكرر الأخطاء نفسها ايضا.
في اليمن هناك حزب أنصار الله «الحوثيين» وهم يشكلون بالضبط الحالة السياسية نفسها لحزب الله اللبناني، فالأيديولوجيا واحدة والدعم الخارجي واحد (ايران)، وكلاهما يرفعان شعارات مستحقة بينما يمارسان في الواقع فرض سيطرته بالقوة على الدولة والمجتمع.
واذا كان في لبنان زعيم سياسي قوي وساخط كالعماد ميشيل عون، ففي اليمن يوجد الرئيس الساخط علي صالح، فكلاهما غاضبان من حلفائهما السابقين لدرجة ان يضعا ايديهما مع أعدائهما بالأمس.
لطالما كان ميشيل عون ضد سورية وحلفائها وقريب من القوى المناهضة للوجود السوري، ولكن استبعاده من اجتماعات قوى 14 اذار، ورفضهم مجرد التفكير في مسألة ترشحه لرئاسة لبنان، جعله ذلك يرتمي في أحضان سورية وحلفائها اللبنانيين، وهي التي ما انفكت تحاربه سنين طويلة ونفته خارج لبنان.
وكذلك فعل الرئيس علي صالح، فعندما طلب منه حلفاؤه وقبيلته وحزبه ترك رئاسة اليمن عقب الثورة، تحول من حالة العداء للحوثيين الى حالة التحالف معهم، فكانت القوات الموالية له في الجيش اليمني وبإيعاز منه، لا تقاوم تقدم الحوثيين حتى استولوا على العاصمة وما حولها وفرضوا سيطرتهم وقاموا بالانتقام من الخصوم السياسيين لعلي صالح.
ربما لن يكتب لعملية استنساخ حزب الله والعماد عون في اليمن النجاح، فعلى الرغم من محاولة أنصار الله «الحوثيين» خلق واقع سياسي يمني يكونون فيه بقوة حزب الله في لبنان، إلا أن مكونات المجتمع اليمني تختلف كثيرا عن مثيلتها في لبنان، فاليمن مقسم الى قبائل وحواضر، بينما لبنان يعتمد في تقسيمته على الطوائف الدينية، حتى الجغرافيا السياسية لا تسعف الحوثيين كثيرا، فحزب الله اللبناني لا يمكنه الاستمرار لولا الجوار السوري الذي وفر له استمرارية الدعم اللوجستي بعيدا عن أعين الأعداء، أما جغرافية اليمن فلا يوجد حلفاء للحوثيين بين دول الجوار، وحتى الإمدادات اللوجستية التي توفرها إيران الحليف الوحيد للحوثيين يمكن مراقبتها وقطعها بكل سهولة لأنها ستأتي حتما عن طريق البحر.
ختاما، بإمكان الحوثيين- وهم الآن الفصيل السياسي الأقوى في اليمن ولو مؤقتا- أن يستغلوا الفرصة السانحة لهم ويطالبوا بإقرار اصلاحات سياسية تحقق العدالة والمساواة وتبعد عنهم شبح عودة الاضطهاد الذي عانوا منه سابقا، وبذلك يكونون هم الضمانة لهذا التحول الديموقراطي في اليمن، ويخلصون انفسهم والمجتمع من عودة الديكتاتورية، أو أن يختاروا الاستمرار في فرض سيطرتهم بالقوة، وهنا ربما أمكنهم حكم اليمن مؤقتا ولكن من المؤكد أنهم لن يستمروا طويلا وبعدها سيضطرون للعودة إلى جبالهم مرة أخرى ليعانوا الاضطهاد.
٭خلاصة: كان على الدول الداعمة للتغير في حالة اليمن الآن ولبنان سابقا أن تعي أن تكلفة احتواء العماد وصالح مع محاولة التأثير في سلوكهم السياسي اقل بكثير من تكلفة تركهم للذهاب إلى صفوف الخصوم.