نبدأ من هذا المقال بإطلاق سلسلة من المقالات المتصلة التي تناقش مدى معاناة المواطن الكويتي نتيجة تردي الخدمات العامة، والضعف الحكومي الواضح في تلبية احتياجاته الاساسية، وقد وضعنا لتلك السلسلة عنوان «المواطن المخنوق» وهي دلالة على عمق المشكلات ومدى تفشيها بين قطاع كبير من أفراد المجتمع.
هذا وقد وقع الاختيار على المشكلة الاسكانية لمناقشتها في أولى مقالات هذه السلسلة عسى ان يوفقني الله في لفت أنظار المسؤولين تجاه خطورتها ومدى حدة تداعياتها على المدى البعيد.
نعيش اليوم في بلد يعد من أغنى بلدان العالم، بلد لدية فوائض مالية كبيرة، وعدد سكان صغير، وصناديق استثمارية جبارة، ووجود دستور ينص بشكل واضح وصريح على تحقيق الحماية والأمان الاجتماعي لافراد المجتمع الكويتي، من خلال توفير كافة المتطلبات والاحتياجات التي تحقق ذلك. ولكن المفارقة هنا والتي قد يلاحظها المتتبع للشأن الكويتي بأن المواطن الكويتي يعيش في وضع غير مريح، وان متطلباته والتزاماته المعيشية تكاد تطبق على انفاسه.
انا لا أبالغ اليوم عندما اقول بأن الموطن الكويتي … مخنوق، فكل فرد من أفراد المجتمع يعي ذلك بل ويحس به، والدلائل كثيرة وعديدة، فيمكننا أن نرصد مظاهر ومسببات تلك «الخنقة» بكل وضوح وبساطة، أول تلك المظاهر تكمن في تراكم الطلبات الاسكانية التي وصلت كما تشير مختلف البيانات إلى اكثر من 100 ألف طلب إسكاني، مما يعني وجود أكثر من 100 أسرة كويتية لا تمتلك منزلا، وان أغلب تلك الأسر تسكن في مساكن مؤجرة، حيث تدفع تلك الأسر أكثر من ثلث دخلها على بند واحد من بنود ميزانية الاسرة وهو استئجار ذلك المسكن.
أضف إلى ذلك الحالة الجنونية التي يعيشها القطاع العقاري في الكويت بشكل عام من خلال ارتفاع أسعار العقار لأرقام فلكية تجعل من المستحيل على المواطن ان يشتري مسكن له ولأفراد عائلته.
ومن جانب آخر يتمتع المواطن الكويتي بميزة يحسده عليها من في الشرق والغرب وهي أن ذلك المواطن الذي لا يمتلك المسكن تصرف له الحكومة ما يعرف ببدل الإيجار – وهذا بحسب ما تدعيه السلطة وانصارها- ولكن واقع الامر الذي يقول بأن متوسط الإيجارات للمساكن التي تسكنها الاسر الكويتية هو 500 دينار كويتي تقريبا أي اكثر من ضعفي ما تصرفه الحكومة أو السلطة للاسرة كبدل للإيجار مما يعني ان ذلك البدل لا يفي حاجة المواطن في توفير مسكن يناسبه ويناسب أسرته، وهذا ايضا ما ينطبق على القرض الإسكاني البالغ 70 الف دينار وهو لا يكفي كذلك لتشييد منزل في الكويت «ولا حتى ملحق»، على اعتبار ان هذا المواطن ينتمي لبلد دخله بالمليارات.
والغريب في الأمر ان السلطة بالرغم من ضعفها المؤسسي وعدم قدرتها على الإنجازات وكذلك ضعفها في تنفيذ التزاماتها تجاه الشعب، نجدها تفرض على نفسها القوانين والتي نتيجة ضعفها وعدم قدرتها لا تلتزم بها، وخير دليل القانون رقم 50 لسنة 2010 والذي يلزم الحكومة بتوفير المسكن للمواطن خلال خمس سنوات من تقديم الطلب الإسكاني ، وهذا بالطبع خيال وخارج عن الواقع مقارنة بقدرات الحكومة في الوقت الراهن.
اضف إلى ذلك أيضا بأن الحكومة تحاول أن تخصص العديد من المساكن في مختلف المناطق الجديدة، ولكن حقيقة الأمر ان هذه الجهود فوضوية فكيف يتم تأسيس تلك المناطق في ظل البعد الجغرافي نسبيا عن المركز «قلب الدولة» ولا يتم خلق مراكز حضرية كفروع للمركز الرئيسي أي يجب قبل الشروع في اقامة تلك المدن أن تقوم الحكومة بتأسيس مختلف المؤسسات والهيئات التي تخدم تلك التجمعات السكانية وتوفر فرص العمل الجديدة وهو ما يعرف بالمجتمعات العمرانية.
إن المشكلة الاسكانية هي مشكلة عميقة بالنسبة للمجتمع الكويتي، فالمسكن له خصوصية في المجتمع الكويتي، وله وظائف تميزه عن مختلف البلدان والمجتمعات الاخرى، فهو ثقافة في شكله فمثلا ثقافة المجتمع مترسخة بأن مسكن العائلة الكويتية هو عبارة عن فيلا وليس شقة في عمارة «يحقله البلد غنية وخيرها كثير». إن استمرار فشل الحكومة في هذا الملف يؤدي الى عدم رضا قطاعات عريضة من الشعب عنها مما يهدد من شرعيتها، فالشرعية تعني «رضا المحكوم عن الحاكم».
ولكن كالعادة لن اكتفي بتشخيص الحالة والنقد، ولكني سأطرح بعض الحلول لعل وعسى أن تكون مفاتيح لحل المشكلة، كلنا يعلم ان العلة تكمن في عدم اشراك المستثمر الأجنبي لتنفيذ المشاريع الإسكانية، وأن تنفيذ تلك المشاريع مقتصرة على المستثمر المحلي «تجار الكويت، والذين هم سبب مشاكل الكويت كلها، الا من رحم ربه» وذلك على اعتبار أن هناك تحالفا سياسيا واضحا بين التجار والسلطة، بحيث تعد عملية حل المشكلة الاسكانية مهدد حقيقي لذلك التحالف لأنه بكل اختصار سيضر بفئة التجار من خلال انخفاض أسعار العقار والإيجارات … الخ، إن أحد الحلول يكمن في فك هذا التحالف الذي أخر كثيرا من حل تلك المشكلة، واعتقد أن هذا التحالف هو السبب الحقيقي في تفشيها واستمرارها.
رسالتي الى السلطة ، شعب الكويت يعاني من تأخر حل المشكلة الاسكانية واصبح يعاني نفسيا ومعنويا وماليا، فكم من حالة طلاق كانت نتيجة هذه المشكلة، وكم من خلاف بين الاسر قد حدث ووقع بسبب ذلك أيضا مما أدى إلى تفككها، وكم وكم وكم….
قلت ما عندي ولكن واقع الامر:
لقد اسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي
وللحديث بقية….