أمران أعتقد أن على الاقتصاديين شرحهما بشكل صحيح للساسة والإعلاميين والمواطنين في منطقتنا كونهما من الأمور التي تفهم بشكل خطأ تماما حتى من قبل كثير من المختصين، ونعني كلفة الحملات العسكرية الغربية وكلفة انتاج النفط في الغرب، فكثيرا ما نسمع على سبيل المثال ان كلفة حرب الخليج الثانية او تحرير العراق عام 2003 او الحملة على «داعش» بمئات مليارات الدولارات، فنذهل ونعجب ونقول إن ذلك كفيل وحده بإفلاس التحالف الغربي، وهو ما يجعل بعض المدافعين عن الطغاة والمتطرفين المستهدفين بتلك الحروب يفخرون بتلك الارقام ويدعون انهم يتسببون في الإضرار بالاقتصاد الغربي، وتلك كذبة اخرى سائدة، بينما الحقيقة هي على العكس من ذلك.
***
فالكلفة الأغلب في تلك الحروب (الكلفة الثابتة) مدفوعة اصلا في الغرب على شكل قيمة صنع واستهلاك طائرات وبوارج ومعدات كانت ستحسب في ميزانياتهم حتى لو لم تشارك تلك المعدات في الحروب، والحال كذلك مع ذخائر تصنع في الغرب ولها تاريخ انتهاء، فلو لم تستخدم في الحرب لوجب إما التخلص منها بتدميرها وإما استخدامها في مناورات بالذخيرة الحية، وتمتد كلفة الحرب الى حساب رواتب عشرات ومئات آلاف العسكريين والطيارين والفنيين المشاركين، وهي مبالغ ستدفع كذلك سواء قامت الحروب او لم تقم، وتتأتى الفائدة الاقتصادية بقيام الحلفاء الاقليميين بدفع جزء كبير من تلك الكلفة اضافة الى تكفل هؤلاء الحلفاء بكلفة «المصاريف المتغيرة» للحروب وأهمها وقود الطائرات وزيوت الآليات للحروب التي هي للعلم مكان جيد لاستخدام الاسلحة الجديدة وبديل ممتاز للمناورات والتدريبات العسكرية المعتادة كل عام، لذا فالكلفة المالية الحقيقية ليست على الدول التي تصنع الاسلحة والمعدات وتطير الطائرات وتحشد الجيوش، الكلفة هي على من يدفع كلفة الحرب ثم يدفع لاحقا كلفة إعمار ما دمرته الحروب كحال دولنا!
***
قضية الفهم الخطأ للكلفة تمتد كذلك لكلفة استخراج النفط في الغرب سواء في بحر الشمال في اوروبا بالأمس او النفط الحجري في اميركا اليوم والغد، وهي كلفة حقيقية ضخمة في «بداية» عمليات الاستكشاف الا ان تلك الكلفة لا يصح ان تعتبر كلفة «دائمة» ومستمرة نبني عليها تصوراتنا المستقبلية لأسعار اهم سلعة لدينا وهي النفط، فنضع حدودا دنيا للاسعار مدعين ان الغرب لن يقبل بأسعار اقل منها كي لا يخسر، والحقيقة ان اغلب تلك الكلفة العالية حقيقية في السنوات الاولى الا ان كلفة الانتاج تنخفض بعد ذلك كثيرا لان المعدات والانابيب قد دفع ثمنها بالكامل، ويستطيع الغرب كذلك تحمل اسعار نفط متدنية كونه عكسنا لا يبيع النفط الذي ينتجه خاما، بل يبيعه منتجات مكررة ومصنعة فيحصل من البرميل النفطي ما لا نحصله من اسعار مضاعفة للمنتجات والمشتقات النفطية!
***
آخر محطة: نفهم ان تتأثر الاسواق المالية واسعار الاسهم الخليجية مبدئيا بانخفاض اسعار برميل النفط، الا ان هذا التأثير النفسي يجب الا يستمر حتى لو استمر انخفاض اسعار النفط، فكثير من البنوك والشركات المختلفة لن تقفل ابوابها، بل ستبقى تعمل وتربح، فالقضية مرتبطة بأداء الشركات في اسواقها المحلية والعالمية وليس بسعر النفط بشكل مباشر، والدلالة الجلية على الفصل التام بين الاثنين ان هناك عشرات ولربما مئات الشركات انخفضت او حتى أفلست في الاسواق المالية الخليجية حتى في عز ارتفاع اسعار النفط لسنوات طوال، والذي لم يستطع ان يغطي على سوء ادائها، اضافة الى ما هو معروف من ان عجز ميزانيات الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة وحتى كثير من الدول الفقيرة، لم يمنع من وجود اسواق نشطة واسعار اسهم تتصاعد في اسواقها المالية دون ربط هذا بذاك.