في بداية الثمانينيات ومع نشوء ما سمى وقتها بـ«الصحوة الإسلامية المباركة» وحتى نكون أكثر دقة فى الوصف «الصحوة الإسلامية السنية المباركة» والتى كانت نائمة ويسمع صوت شخيرها «الانس والجن»، حتى استيقظت على صوت محركات طائرة البوينج 707 التي تحمل شعار الخطوط الجوية الفرنسية وهي تهبط في مطار «مهرباد» بوسط العاصمة طهران حاملة على متنها أول من أشعل ثورة بأشرطة الكاسيت.
وأول من أسقط أمبراطورا وأول ثائر يحتضنه الغرب في «نوفيل – لو – شاتو» بإحدى ضواحي باريس وهو الأمام الراحل أية الله روح الله الخميني والرجل الذي وصفه الكاتب المصري محمد حسنين هيكل بـ«رصاصة انطلقت من القرن السابع واستقرت في خاصرة القرن العشرين» لتبدأ -بعدها- في الشرق الأوسط الملتهب أول فصول حرب جديدة عنوانها «إسلام ضد الإسلام» القاتل مسلم والمقتول مسلم والجريح مسلم والأسير مسلم ويصرف عليها من «حر بيت مال .. المسلمين»!! الأوروبيون يتندرون على الأميركي بقولهم: «لا تتحدث معه في التاريخ والجغرافيا» فعمر وطنه لا يزيد على بضع عشرات من السنين ونادرا ما تجد واحدا منهم يعرف إسم عاصمة ولاية نيويورك ناهيك عن عاصمة ..باكستان!! الأميركيون وجدوها حربا من نوع جديدة عقول فارسية قديمة عمرها أكثر من ثلاثة ألاف سنة تحلم بجيوشها وملوكها وقادتها بعودة إمبراطورية «سادت ثم بادت» وأمة عرب وإسلام مازالت تحلم بخلافة العادل «عمر بن الخطاب»: «لو إن بغلة في أرض العراق تعثرت لخشيت أن يسألني الباري عز وجل يوم الحساب لماذا لم أمهد لها .. الطريق»؟!
فرس «مازالوا ينتظرون عودة سوار كسري» لهم وعرب ثلاثة أرباع علمائهم من فارس ومازالوا يعتبرونها.. أرض المجوس!! في لقاء مطول مع قناة «العربية» قبل جوالي سنة كشف وزير خارجية العراق في العهد الملكي «عدنان الباججي» عن حوار عجيب دار بينه وبين أحد أعضاء الوفد الإيراني في الأمم المتحدة عقب الثورة الإيرانية حين جاء «الباججي» على ذكر دخول بلاد فارس للإسلام على أيدي عرب الجزيرة فقال الدبلوماسي الإيراني: «حضارتنا سبقت إسلامكم أنتم تعتبرون أن ما فعلتموه لنا كان شيئا عظيما ونحن نعتبره عملا عدائيا تاريخيا لا يمكن أن نقبله وسنعود في يوم من الأيام إلى .. حضارتنا وتاريخنا وأمجادنا»!! التقطت آذان «أعداء العرب المسلمين والعاربة المتأسلمين» هذه النبرة فانطلقت «الفتنة الطائفية» بين .. «الولي الفقيه نصير المستضعفين» وبين .. «أهل الصحوة الإسلامية السنية وأحفاد الراشدين»!! صراع طائفي اشتعل رأسه بين الشيعة والسنة في لبنان وسوريا واليمن والخليج بالرصاص والدم أحيانا, و.. باللعاب واللسان أحيانا أخرى! هل هذا يكفي لتمزيق الإسلام إلى نصفين أم يتم تقطيعه إلى أرباع وأخماس وأسداس كشطائر .. البيتزا؟! أكملوا المسيرة وجاءت «داعش» مسلمون يقتلون مسلمين أو مثلما خرجت جماعة «التكفير والهجرة» من رحم الإخوان المسلمين وخرجت جماعة الجهاد الإسلامي من رحم التكفير والهجرة وخرجت من هذه الأخيرة «القاعدة» التي باضت لنا.. «بوكو حرام وعسكر طيبة وأبو سياف وأنصار السنة والعائدون من البانيا وحزب التحرير وحزب الأمة وإحياء التراث وجمعية الإصلاح والسلفية العلمية و.. كلنا عرعور وعراعير .. إلى أخره»!
سوف تلد لنا «داعش» واحدة أخرى اسمها «دالب» وثانية بإسم «دالك» و«دالم» وهلمجرا!! حين اقتحم «مسلم شيعي» من حزب الله اللبناني بشاحنة ملغومة مقر «المارينز» في بيروت عام 1982 قال دبلوماسي أميركي يزور شارع الصحافة في ذلك الوقت أكثر من «حامد الملا» الملحق الإعلامي العراقي: «لو كان كولومبس اكتشف أميركا قبل ظهور الإسلام لما سمحت المخابرات المركزية الأميركية بانتشاره ومادمنا لم نكن موجودين وقتها لنمنع ذلك , فسوف نصحح خطأنا هذا خلال العقود القادمة»!! مع أن الجنة باتساع السموات والأرض إلا إنها ستزدحم بشهداء المسلمين.. ازدحاما شديدا ليس لقوة إيمانهم بل.. لهوانهم على أنفسهم!!