لم يجتمع على أمة في التاريخ ما اجتمع على أمة العرب هذه الأيام من معطيات تدفعها للموت والانتحار والاندثار، فهناك الحروب الأهلية والخارجية التي لا تتوقف والفوضى العارمة والإرهاب المانع للتنمية الذي يجعل دولها في مواجهة العالم أجمع، توازيا مع تقلص موارد العيش ودمار وتوقف للمصانع وتجريف للمزارع، وتفشي ظاهرة اللاجئين العرب، حيث لا تعليم ولا تدريب ولا صحة لأجيال الأمة القادمة، إضافة الى ان النفط عمود ثروتها الوحيد هو ثروة ناضبة، وقد بدأ سعره في الانحدار، وقد لا يتوقف النزول حتى تنكشف ميزانيات دولها الثرية وتتوقف عمليات تنميتها ودعمها لأشقائها.
****
يضاف إلى تلك العوامل تزايد سكاني رهيب قائم على أجيال لا تعليم ولا تأهيل لها مع نقص متزايد للمياه الذي يأتي أغلبه من الجيران، فأوطاننا في الأغلب صحارى غير مؤهلة للعيش، مع هجرات سكانية مدمرة من الأرياف، حيث الزراعة، الى المدن حيث الأسمنت والتزاحم على الموارد والتطاحن وفقدان الأمن الذي يجعل دولنا غير مؤهلة للسياحة أو الاستثمار.
****
وتزداد مأساتنا بالزيادات السكانية المتفجرة لجيراننا، فإثيوبيا التي تعادل مصر سكانيا هذه الأيام سيزداد سكانها طبقا لإحصائيات الأمم المتحدة الدقيقة عام 2050 إلى 173 مليونا، بينما سيبلغ عدد سكان مصر آنذاك 129 مليونا، وأوغندا من 32 إلى 91 مليونا، وتنزانيا من 43 إلى 109 ملايين، وهكذا باقي دول المنبع الافريقية، ما يعني الحاجة الى المزيد من السدود للري وتوليد الكهرباء، ولن يتبقى الكثير لإرساله لدولنا العربية، والحال كذلك مع العراق وسورية. والمؤسف انه رغم تلك الحقائق الواضحة الجلية تحرص دولنا على مواصلة التزايد السكاني المدمر، متناسين ان القوة في هذا العصر وعصورنا القادمة ليست بالكم بل بالنوع، فبلد قليل السكان لديه تكنولوجيا وأسلحة ذرية يستطيع هزيمة عشرات الدول كثيفة ومتناحرة السكان.
****
إن السبيل «الوحيد» للعرب للخروج من مستقبلهم المظلم القادم هو القيام تماما بعكس ما نقوم به هذه الأيام، أي ضرورة منع الحروب الأهلية والخارجية ووقف الإرهاب ومعاداة العالم أجمع، وإنقاص أعداد السكان بدلا من زياداتها كما هو الحال مع أغلب الدول المتقدمة والثرية في أميركا وأوروبا وشرق آسيا، وتحجيم الأفكار الظلامية التأزمية الداعية للحروب، وفي المقابل دعم الأفكار الليبرالية والتنويرية الداعية للسلام في الداخل ومع الجيران، والتوقف عن فكرة الماضي «القدوة» والدعوة للعودة له، فلم تكن الخلافة الإسلامية أكبر حجما أو أكثر تطورا وعصرية وخدمة للإنسانية من الامبراطورية البريطانية أو الفرنسية أو الرومانية واليونانية.. إلخ، ومع ذلك لم نسمع قط من يتحسر على ممالكهم التي لا تغيب عنها الشمس أو يجعلها قدوة أو يدعو للعودة إليها، فكيف لأمة أن تنهض وأملها أن ترجع ألف عام إلى الوراء؟!
****
آخر محطة:
(1) للمعلومة.. ابان ثورة عرابي (1882) كان عدد سكان مصر 5 ملايين مماثلا لعدد سكان مملكة الدنمارك، حاليا عدد سكان مصر 85 مليونا والدنمارك 5 ملايين، وفي عام 2050 سيصبح عدد سكان مصر 129 مليونا والدنمارك 5 ملايين!
(2) في اجتماع حاشد أواخر السبعينيات للجالية الفلسطينية بالكويت، قال الرئيس ياسر عرفات بحماس شديد انه «يرى النصر في بطن كل امرأة فلسطينية حامل»، ولم يسأله أحد آنذاك لماذا لم تتزوج وتشعر بمعاناة من لديه دستة أفواه؟! وواضح أن لدى الرئيس آنذاك رغبة في الحصول على معين لا ينضب من الشباب الفلسطيني لاستعمالهم كوقود لحروبه التي أشعلها بالأردن ولبنان حاله كحال المفتي أمين الحسيني الذي أوصى بالمخيمات المدمرة للفلسطينيين بعكس الأرمن والشيشان والأكراد ولم، يعش هو أو أهله قط في تلك المخيمات البائسة!