كل ما حدث في المنطقة خلال الستين عاما الماضية، خاصة في دول الحواضر العربية التي كانت تخضع لاحتلال مباشر من قوى الاستعمار الغربي، يردد مخضرموها أن أيام الاحتلال كانت أفضل سياسيا واقتصاديا وأكثر التزاما بحقوق الإنسان من الأوضاع اللاحقة التي شهدت هجرات من الأرياف إلى المدن، فازدحمت ودمرت، وساء التعليم والخدمة الصحية، وتوقفت عمليات التنمية، وتوالت الهزائم العسكرية، وتفشى القمع. ويتمنى هؤلاء المخضرمون أن يعود الاستعمار يوما فيخبروه بما فعلت الحكومات الوطنية الثورية بالشعوب العربية.
****
وفي ذلك يخبرني وطني كويتي وعربي كبير ناضلَ مع ثوار ظفار، قصة زيارته الى سوق السمك في عدن بعد نيلها الاستقلال، حيث سأل البائع عن ثمن كيلو السمك فأجابه بـ«عشرة»، فعلّق صاحبنا بأنه كان يشتري السمك من السوق نفسه إبان الاستعمار بـ«أربعة»، فأجابه البائع: «أرجعْ لنا عهد الاستعمار وخذْ السمك ببلاش»، ومثل ذلك زيارة زميل إعلامي كويتي شهير الى عدن حيث سأل مرافقه اليمني عمن بنى المطار؟، فقال: «الإنجليز»، وسأله عمن بنى الطريق الذي يأخذهم للفندق؟، فقال: «الإنجليز»، وعند وصولهما سأله عمن بنى الفندق؟، فأجابه: «الإنجليز»، فعقّب الزميل: وأنتم ماذا فعلتم؟ فأجابه المرافق حزينا: «نحن من طرد الإنجليز». ومعروف أن عدن كانت من أجمل المدن والموانئ إبان عهد الاستعمار.
****
وعند زيارتي للضفة وقطاع غزة وتجوالي في الأسواق والمطاعم، سمعت تساؤلات ومقارنات عن العهود المختلفة، حيث قال البعض: إن أوضاعنا كانت أفضل إبان الاحتلال، فالحدود مفتوحة مع أهلنا في أراضي 48، وفرص العمل متوافرة، والأمن مستتب، والأجور أعلى، والضرائب أقل إن دُفعت، فهل ناضلنا وطالبنا بالاستقلال لتسوء أحوالنا كما يحدث الآن؟!
****
والحقيقة أن تاريخنا مليء بالأكاذيب والمغالطات، وعلى رأسها أن الاستعمار هو الذي فرّقنا وقسمنا على طريقة «فرق تسد»، بينما تظهر الحقائق الجلية العكس من ذلك، فالاستعمار هو من وحّدنا، حيث خلق العراق من خلال توحيد أقضيته الثلاثة، وكذلك الحال مع ليبيا، كما وحّد مصر والسودان وضم اليهما بعد ذلك غزة، ووحّد إمارات الخليج العربي، ووحد سلطنات جنوب اليمن، ولم يقف في طريق توحيد الملك عبدالعزيز آل سعود للجزيرة العربية. إن من قسّم وشطر وأضاع الأوطان العربية هم الثورجية والانقلابيون العرب، حيث زيفوا وزوروا التاريخ، فدسوا في المناهج الدراسية ووسائل الإعلام المعلومات المغلوطة على شاكلة «رمتني بدائها وانسلت»!
****
آخر محطة: (1) ضمن مناهج تشويه وتزوير التاريخ إشاعة أن اليهود العرب كانوا غير وطنيين وأصحاب خيانات وإجرام بحق المواطنين الآخرين، والحقائق تثبت أنهم أبعد ما يكونون عن ذلك، فقد كان لكثير من اليهود في مصر والعراق وليبيا والمغرب العربي ودول الشام والخليج أعمال وطنية واقتصادية مشهودة، حيث كان كثير منهم من الشخصيات الليبرالية والاقتصادية والمثقفة التي ساهمت مساهمة فاعلة في نهضة بلداننا العربية، وقد تعرض كثير منهم للأذى من قبل الجهال العرب كرد فعل على الأنباء والأخبار التي تأتي من فلسطين، وهو ما اضطر كثيرا منهم للهجرة إلى إسرائيل، وكان الواجب أن يقدروا ويحتضنوا لبقائهم في أوطانهم العربية.
(2) يجب على العرب وجامعتنا العربية إظهار تسامحهم عبر تكريم الشخصيات اليهودية العربية التي ساهمت في نهضة بلدانها وهناك الكثير منهم.
(3) كان بإمكان اليهود أن يكونوا ضمن القاطرات التي تجر أوطاننا من مستنقعات الجهل والتخلف!